من دون ضجيج وبهورة إعلاميّة تُواصل إسرائيل عمليّات إستخراج النفط والغاز من مجموعة من الحُقول وتستعدّ لتوسيع هذه العمليّات إلى حُقول متنازع عليها مع لبنان. ومن دون ضجيج وبهورة إعلاميّة أيضًا، وقّعت سوريا عُقودًا مع شركات روسيّة للشروع في عمليّات التنقيب عن النفط والغاز، أحدها قبالة ساحل طرطوس إمتدادًا حتى الحدود اللبنانيّة علمًا أنّه يُوجد خلاف على الترسيم البحري هناك أيضًا. أمّا في لبنان الغارق في الإستعراضات الإعلاميّة الفارغة حينًا، والغارق في خلافاته الداخليّة حينًا آخر، فإنّ التأخير فادح في وضع ملفّ المُشتقّات النفطيّة والغازيّة على السكّة الصحيحة(1)، بشكل بات يُهدّد جديًا حُقوقه فيها، ناهيك عن أنّه يُبعد أيّ أمل بالحُصول على أيّ دخل مالي مُهمّ في المُستقبل القريب. فماذا في التفاصيل؟.
في الوقت الذي تمضي فيه إسرائيل قُدمًا في عمليّات إستخراج النفط والغاز من حُقول عدّة، علمًا أنّ السُلطات الإسرائيليّة بدأت أعمال التنقيب في المنطقة المُتنازع عليها مع لبنان(2)، في إعتداء جديد من قبلها على الحُقوق اللبنانيّة، يتلهّى المسؤولون في لبنان بخلافاتهم السياسيّة والدُستوريّة، في إنتظار التوقيع على مرسوم تثبيت الحُقوق اللبنانيّة، حيث يُوجد ضُغوط لدفع الحُكومة المُستقيلة لعقد إجتماع لهذا الغرض، في حين تُوجد خلافات بشأن الأحقيّة الدُستوريّة لوزيري الأشغال والدفاع المُستقيلين، ولحكومة تصريف الأعمال ككلّ، للقيام بهذه الخُطوات!.
وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ نائب وزير الخارجيّة الأميركيّة، ديفيد هيل، سيزور بيروت هذا الأسبوع، إستكمالاً لإتصالات تقوم بها السفيرة الأميركيّة في بيروت دوروثي شيا، للحؤول دون قيام لبنان بأي خُطوة من شأنها نسف المُفاوضات البحريّة، ما يعني عمليًا إرجاء أيّ أمل بإمكان المُباشرة قريبًا بإستخراج النفط والغاز من البلوك رقم 4. وحتى الساعة من غير الواضح، ما إذا كان الجانب الأميركي سيسعى لتسوية وسطيّة تُمهّد لمُعاودة مُفاوضات الترسيم، أم أنّه سيمُارس الضُغوط على لبنان، مُتبنيًا الخرائط الإسرائيليّة. ومن المَعلوم أنّ المفاوضات لا تنحصر بخرائط الوفد اللبناني المُفاوض برئاسة العميد بسّام ياسين، بل ترتبط بمصالح إقليميّة ودَوليّة، وبأضواء دَوليّة خضراء!.
بالإنتقال إلى سوريا، فقد وقّعت وزارة البترول والثروة المَعدنيّة السُوريّة بالأمس القريب، عقدين مع شركتي "كابيتال ليميتد" و"إيست ميد عمريت" الروسيّتين، يرتبطان بالتنقيب وبإستخراج المُشتقّات النفطيّة في "بلوكين": الأوّل يقع في مُقابل ساحل مُحافظة طرطوس ويمتدّ حتى الحدود البحريّة السوريّة–اللبنانيّة بمساحة تبلغ 2250 كيلومترًا مربّعًا، والثاني يمتد من شمال طرطوس إلى جنوب بانياس بمساحة تبلغ 2190 كيومترًا مربّعًا(3). وتمّ الإنتهاء من مرحلة الدراسات وتقييم الجدوى الإقتصاديّة وتحديد مواقع أوّليّة للحفر، حيث يُنتظر أن تبدأ قريبًا عمليّات المسح الحراري الثلاثي الأبعاد. وبحسب الخرائط اللبنانيّة، يُوجد خطر على مساحة تتراوح ما بين 750 كيلومترًا مُربّعًا و1000 كلم. مربّع داخل الحدود اللبنانيّة الشماليّة، حيث تقضم الخرائط السُوريّة مئات الكيلومترات من البلوكين اللبنانيين رقم 1 و2، علمًا أنّ سوريا لا تزال تتهرّب من ترسيم الحدود مع لبنان بشكل رسمي. وحتى الساعة من غير الواضح كيف ستتمّ معالجة هذا الملفّ مع الجانب السُوري، وما طبيعة الوفد الذي سيتفاوض مع الجانب السُوري، مع الإشارة إلى أنّ وزير الخارجيّة المُستقيل ناصيف حتّي سيلتقي السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي في وزارة الخارجية الثلاثاء لإبلاغه الرغبة ببدء مُحادثات بشأن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.
في الخُلاصة، من الواضح أنّ كلاً من إسرائيل وسوريا تعملان على إستخراج النفط والغاز فعليًا وعمليًا، بين لبنان لا يزال يتغنّى بالملف النفطي والغازي إعلاميًا، من دون أيّ خُطوات ميدانيّة تضع هذا الملف على السكة الصحيحة، لجهة العمل على إزالة العقبات الخارجيّة، وتحضير الأرضيّة الداخليّة لتسريع خطوات الإستخراج. وحتى اليوم، لم يفهم أحد لماذا إختار لبنان أصعب حقل، وأكثره تعقيدًا من الناحية القانونيّة، ليُشكّل الإنطلاقة لعمليّات التنقيب عن النفط والغاز، بدلاً من إختيار أي حقل لا نزاع عليه لهذا الغرض!.
1- كان يُفترض أن يبدأ لبنان رحلة التنقيب عن نفطه وغازه منذ العام 2007، لكنّه أضاع سلسلة من الفرص للدُخول إلى نادي الدُول النفطيّة.
2- وسّع الإسرائيليّون حدود البلوك 72 في إتجاه البلوك رقم 9 اللبناني، بينما إستكمل الإسرائيليّون إستعداداتهمللتنقيب في حقل "كاريتش" الحدودي الذي يقضم جزءًا كبيرًا من الحدود البحريّة للبنان.
3- إشارة إلى أنّ هذه العُقود تأتي إستكمالاً لعُقود أخرى جرى توقيعها بين موسكو ودمشق، تشمل إضافة إلى إستخراج النفط والغاز، ترميم منشآت نفطيّة وتطويرها، وتوليد الطاقة وإستخراج الثروات الطبيعيّة، وبناء مطاحن حُبوب، إلخ.