الرغم من الصمت الرسمي الاسرائيلي، وعدم التأكيد أو النفي، أعلنت العديد من وسائل الإعلام الاسرائيلية عن أن الهجوم الذي استهدف المفاعل الايراني النووي ( ناطنز) هو من تدبير الموساد الاسرائيلي وتنفيذه، وتحدثت عن أن الهجوم الاسرائيلي على المنشأة تسبب في انفجار وإنقطاع الكهرباء داخل المنشأة ما سيمنع الإيرانيين من تخصيب اليورانيوم لعدة أشهر.
وأكدت ايران على لسان رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أن ما أصاب منشأة ناطنز النووية هو "إرهاب نووي"، معتبراً إن هذا الهجوم "ضد مركز التخصيب في ناطنز يظهر فشل معارضي التقدم الصناعي والسياسي في البلاد في منع التطور الكبير للصناعة النووية، ومعارضي نجاح المفاوضات في رفع العقوبات الجائرة"، ولفت إلى أنه «لإحباط أهداف منفذي هذه الحركة الإرهابية، ستواصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية التوسع الجاد في التكنولوجيا النووية من جهة، والعمل على رفع العقوبات الجائرة من جهة أخرى".
واللافت أن الهجوم الاسرائيلي يأتي في وقت يقوم فيه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بريارة الى "اسرائيل" تستمر يومين، أكد خلالها الالتزام الأميركي بدعم إسرائيل وتحسين قدراتها، من غير أن يُعرف إن كان الهجوم الاسرائيلي على منشأة ناطنز هو بالتنسيق مع الأميركيين أم لا.
وبكل الأحوال، وبغض النظر عن التنسيق الأميركي مع الاسرائيليين قبل الضربة أو عدمه، إلا أن إدارة بايدن سوف تستفيد من هذا الهجوم على المفاعل النووي الايراني، كما يلي:
- تعاني إدارة بايدن من ضغوط داخلية في الداخل الأميركي من قبل صقور الديمقراطيين ومن الجمهوريين لعدم التسرع في إزالة العقوبات التي فرضها ترامب على إيران، قبل التفاوض على إتفاق جديد تحصل فيه الولايات المتحدة على تنازلات من الايرانيين.
- بينما تمارس جهات أخرى الضغط على بايدن وإدارته، معتبرين أنه هناك حاجة للإسراع في الجلوس الى الطاولة مع الايرانيين، وذلك بسبب الدخول الصيني على خط التفاوض مع إيران وقيامه بإنقاذ الاقتصاد الايراني عبر الاتفاقية الموقعة بينهما، ما يعطي إيران دفعاً لمزيد من التصلب، بالإضافة الى ضرورة الاسراع في العودة الى الاتفاق النووي لمنع إيران من الاستمرار في زيادة نسب تخصيب اليورانيوم ما يجعلها على شفير امتلاك تقنية تصنيع سلاح نووي خلال مدة زمنية قليلة.
وأمام هذه الضغوط من الجهتين، ورغبة الإدارة بتأجيل الملفات الخارجية الحساسة، لحاجتها لإلتقاط الأنفاس في الداخل بسبب المشاكل الحزبية وحاجة البلاد الى الخروج من الجائحة وتعويم الاقتصاد، يعطي هذه الهجوم هامشاً للأميركيين للتريث في المفاوضات مع الايرانيين وعدم الاستعجال في رفع العقوبات، خاصة بعدما ادعى أحد المسؤولين في الاستخبارات (صحيفة نيويورك تايمز) بأن التفجير سيؤخر التخصيب الايراني لمدة تسعة أشهر.
أما بالنسبة للإيرانيين، وبالرغم من أن هناك حاجة ماسّة للرد بعدما قام الاسرائيليون بعدة عمليات عدوانية سابقة على المفاعلات النووية، وقيام الموساد باغتيال العالم النووي الايراني محسن فخري زادة، إلا ان تصريح المسؤول الايراني يعكس حقيقة التوازن الدقيق الذي تجد إيران نفسها ملزمة به، وهو أن تسير بين حدّين ضروريين، قد يفجّر أحدهما الآخر:
ضرورة الردّ على اسرائيل للحفاظ على توازن الردع في المنطقة وللقول أن هذه الاعتداءات لن تمر بدون كلفة، وبين حدّ الرد الانتقامي الذي يمكن أن يسبب تدحرجاً للأمور في المنطقة تتعقّد معها الجهود الدبلوماسية النووية لرفع العقوبات عن إيران والعودة الى الاتفاق النووي لعام 2015...
وبين هذين الحدّين، يُفترض أن يختار الايراني، تأجيل الردّ على اسرائيل، وذلك لأن الانجرار الى الردّ قد يكون أغلى كلفة من عدم الردّ، إذ أنه يحقق الهدف الاسرائيلي بتعطيل العودة الى الاتفاق النووي، وهو ما لا تريده إيران مطلقاً.