بعد ما يقارب الاسبوع من الأخذ والرد، الذي ترافق مع موجة واسعة من الإتهامات السياسية وغير السياسية، وقّع وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار على تعديل المرسوم 6433، لتصحيح الحدود البحرية جنوباً، عبر إضافة 1430 كيلومتراً مربعاً إلى المنطقة اللبنانية، جنوبي ما يُعرف بـ"المساحة المتنازع عليها"، الأمر الذي من المفترض أن يُخرج الملفّ من البازار السياسي اللبناني، لكن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو عن تداعيات هذه الخطوة على مسار المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي؟.
في البداية، من الضروري الإشارة إلى أن هذا التعديل الجديد يعني أن الحدود اللبنانية باتت تقطع في نصف حقل كاريش، الذي تراهن تل أبيب كثيراً عليه، الأمر الذي كان قد دفعها، في الأيام الماضية، إلى نقل مجموعة من الرسائل غير المباشرة، مفادها أنّها ماضية في مشروع بدء التنقيب في هذا الحقل، بالإضافة إلى الحقل رقم 72، في شهر حزيران المقبل، بغض النظر عن الموقف اللبناني.
تصحيح الأخطاء الماضية
في هذا السياق، تشير مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخبيرة في سياسات النفط لوري هايتيان، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن في لبنان كان هناك وجهتي نظر حول الموضوع: الأولى ترى أن هذه الخطوة قد تعتبر تصعيداً وتؤثر على مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، بينما الثانية تعتبر أن هذه الطريقة الوحيدة لإجبار تل أبيب على العودة إلى طاولة المفاوضات، لأنها تضع حقل كاريش ضمن دائرة الخطر.
وإنطلاقاً من ذلك، ترى هايتيان أن من الطبيعي أن يكون هناك ردّة فعل من الجانبين الإسرائيلي والأميركي حول هذه المسألة، لكنها تتوقع أن يكون أيّ تصعيد مرحلي، نظراً إلى وجود مصالح مشتركة بالوصول إلى حل، سواء بالنسبة إلى بيروت وتل أبيب أو بالنسبة إلى واشنطن، وبالتالي الجميع سيعود في نهاية المطاف إلى طاولة المفاوضات.
من جانبه، يعتبر العميد المتقاعد أمين حطيط، الذي شغل موقع رئيس اللجنة اللبنانية العسكرية التي تحققت من الانسحاب الاسرائيلي في العام 2000، أن الحديث الأميركي، بحسب ما ينقل عن السفيرة في بيروت دوروثي شيا، عن تهديد التوقيع على المرسوم للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي أو التلميح إلى إمكانية إنسحابها منها هو تهويل لا أكثر، ويذكر بأن واشنطن سبق لها أن قامت بهذا الأمر في الماضي، حيث تعرّض هو شخصياً للتهديد لكنّ جوابه كان بأنّ هناك حقوقاً يريد لبنان الحصول عليها، ويضيف: "نجحنا في إستعادة 17 مليون و756 ألف متر مربع".
ويرى حطيط أن لبنان خطا الخطوة الصحيحة وحقق نتيجتين كبيرتين: الأولى تتمثل بوحدة الموقف الوطني على المستوى الداخلي، لأنّ من المعيب كان إنقسام اللبنانيين على حقوقهم، أما الثانية فهي تكمن في أن المرسوم عالج أخطاء 14 عاماً من الملف، الذي كان عبارة عن سلسلة من الأخطاء الشنيعة، وبالتالي هو يضع المشهد أمام أمر واقع جديد موقع لبنان فيه قوي، ويضيف: "إذا أرادت إسرائيل أن تنقّب تكون في موقع المعتدي على لبنان، الذي ليس ضعيفاً، بل لديه القوة التي يستطيع الإعتماد عليها، من الجيش إلى المقاومة".
بدورها، تؤكد هايتيان على أهمية تصحيح الخطأ الذي حصل في العام 2011، فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، وتشير إلى أنّ الإسرائيلي كما قبل الدخول في المفاوضات على أساس الحدود الماضية سيوافق على الدخول وفق المرسوم الجديد، نظراً إلى عدم القدرة على الإستثمار في حال بقيت الأمور على ما هي عليه، لأنّ الشركات الكبرى، في ظل الوضع العالمي الضاغط، تبحث عن كيفيّة تحقيق المكاسب من دون مشاكل.
ماذا عن مسار المفاوضات المستقبلي؟
بالنسبة إلى مسار المفاوضات المستقبلي، توضح مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخبيرة في سياسات النفط أن ما ينبغي التنبه إليه هو أن لبنان اليوم يقول أن الخط 29، الذي يقع حقل كاريش في منتصفه، هو المطلب الأقصى، وبالتالي لو كانت الأحداثيّات الجديدة أرسلت في العام 2011 ما كان هذا الحقل ليُكتشف في الأصل، لكنّها تلفت إلى أنّ هذا لا يعني الحصول عليه، نظراً إلى أن المفاوضات تكون على أساس الوصول إلى حلّ وسط، وهي من المفترض أن تعود ما بين خطي هوف والخط اللبناني.
من جانبه، يؤكد حطيط أن ليس هناك من شركة تنقيب عالميّة تجرؤ على التنقيب في منطقة نزاع يمكن أن يستخدم فيه السلاح، وبالتالي التوقيع على المرسوم سيمنع الإسرائيلي من التنقيب ويجبره على العودة إلى التفاوض، ويوضح أنّه في المفاوضات كل فريق يضع سقفه ويسعى للوصول إليه، لكن النتيجة محكومة بالحجج التي سيقدّمها، إلا أنّه يشدّد على أنه في جميع الأحوال بات موقف لبنان أقوى، والوفد المفاوض يستطيع أن يدافع عن خطّ مستند للعلم والمنطق والقانون والواقع.