تأسست مجموعة البنك الدولي «WBG» وصندوق النقد الدولي «IMF» في مؤتمر «بريتون وودز» عام 1944 ولهما رسالتان تتكامل إحداهما مع الأخرى من حيث الأهداف، وبينما تعمل مجموعة البنك الدولي مع البلدان النامية على الحد من الفقر وتعزيز الرخاء المشترك، تقدم مجموعة البنك الدولي التمويل والمشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية للحكومات، كما تركز على تدعيم القطاع الخاص في البلدان النامية.
البنك الدولي هو إحدى الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة التي تعنى بالتنمية. وقد بدأ نشاطه بالمساعدة في إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وتبلورت الفكرة خلال الحرب العالمية الثانية في «بريتون وودز» بولاية نيو هامشر الأميركية، لإعادة إعمار ما هدمته الحرب.
أما صندوق النقد الدولي «IMF» فهو يعمل على تيسير حركة التجارة الدولية، وتشجيع زيادة فرص العمل وتأمين فرص النمو وتهدف رسالة صندوق النقد بصورة رئيسية إلى ضمان استقرار النظام النقدي الدولي والمحافظة على نظام أسعار الصرف والمدفوعات الدولية عبر تتبع الاقتصاد العالمي وتقديم القروض للبلدان التي تواجه مشاكل في ميزان المدفوعات، وتقديم المساعدة العملية للبلدان الأعضاء.
تلك هي الأهداف المعلنة لإنشاء كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بيد أن الممارسة أثبتت عكس ذلك تماًماً وأن الأهداف الحقيقية الكامنة لفكرة إنشاء البنك والصندوق الدوليين لا تمت للأهداف المعلنة بصلة وهي أهداف خبيثة قائمة على إغداق الوعود الزائفة بتأمين الإنماء السريع والبحبوحة للمجتمع شرط قبول الدول بالانخراط ببرامج ومشاريع التنمية التي يضعها البنك الدولي أو صندوق النقد ولجوء حكومات تلك الدول إلى الاستدانة المالية بهدف إغراقها في مستنقع العجز المالي وذلك تمهيداً لفرش السجاد الأحمر أمام استعمار الدول النامية والسطو على ثرواتها واختطاف قرارها السياسي والسيادي.
في زمن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قررت مصر بناء السد العالي نظراً للحاجة المتصاعدة في استهلاك الطاقة والاستمرار بمشروع الإصلاح الزراعي بما يتماشى مع ازدياد العدد السكاني فيها وبناء عليه كان لا بد من حل مشكلة التمويل لبناء السد حينها فلجأت مصر إلى البنك الدولي من أجل تمويل مشروع السد، بيد أن البنك الدولي وضع لائحة شروط تعجيزية ومجحفة من شأنها منع مصر التحكم بثرواتها وإخضاعها للرقابة الغربية الدائمة، الأمر يجعل أي تطور وإنماء في مصر مستحيلاً وأيضاً لجعل قرار مصر السياسي والسيادي خاضع لسياسات البنك الدولي.
رفض جمال عبد الناصر شروط البنك الدولي الذي سحب الموافقة على تمويل السد العالي عام 1956 ما أجبر عبد الناصر التوجه نحو الاتحاد السوفيتي الذي قبل تمويل مشروع السد العالي بالخبراء والمال.
هنا يتضح لنا نمطية عمل البنك الدولي لتحقيق أهداف سياسية استعمارية وليس لأهداف تنموية فإما القبول بالارتهان والتبعية لسياسة الغرب أو أنه لا مال ولا تنميه لأي بلد يرفض الانصياع لشروط وطلبات الغرب الداعم للعدو الإسرائيلي.
نأتي للعراق هذا البلد الغني بالنفط والثروات الذي لم يعرف شعبه يوماً الفقر والعوز واحتل دخل الفرد فيه المرتبة الثالثة بين الدول العربية والذي تراه اليوم عراقاً منهوباً مرتهناً بقراره السياسي تتحكم بثرواته النفطية الهائلة شركات أميركية غربية، فيما العراق يفاوض البنك الدولي للاستحصال على قروض مالية لتحسين البنى التحتية، هذا مع العلم أنه لو حررت ثروات العراق لامتلك القدرة على تمويل مشاريعه التطويرية والتنموية والعلمية بقدراته الذاتية من دون الحاجة لأموال البنك الدولي ولا صندوق النقد.
سوريه التي حافظت على استقلالية قرارها السيادي رفضت الإذعان للشروط الأميركية الإسرائيلية 2003 فكان أن شنت عليها حرباً كونية دمرت أجزاء واسعة منها واحتلت مناطق خزان ثرواتها النفطية والزراعية وضربت عملتها الوطنية وفوق هذا فرض عليها حصار اقتصادي خانق حجب عنها الدواء واللقاحات والماء وحتى الهواء، تراها اليوم ممنوعاً عنها أي مساعدة للمساهمة بعملية إعادة الاعمار فيها من البنك أو من صندوق النقد بهدف زيادة الضغط لتغيير نظامها السياسي الداعم لقوى المقاومة المناوئ للعدو الإسرائيلي.
لبنان المشهور بنظامه المصرفي المتين تراه اليوم تحت ضغط مالي واقتصادي أميركي غير مسبوق وبمشاركة البنك الدولي وصندوق النقد بعد إفراغ مصارفه من الكتلة النقدية للدولار الأميركي وتهريبها إلى خارج لبنان بأمر أميركي ومن البنك الدولي الذي أوقف مراسلاته مع المصارف اللبنانية، ما دفع المصارف لاحتجاز ودائع المواطنين، الأمر الذي أصاب العملة الوطنية بالانهيار والهدف ربط أي قرض من صندوق النقد بترسيم الحدود والمنطقة الاقتصادية البحرية مع فلسطين المحتلة في محاولة للإمساك بقرار لبنان السيادي ولأن لبنان بلد المقاومة ضد العدو الصهيوني المحتل لفلسطين.
من الممكن رؤية بلدان حصلت على قروض من البنك أو من صندوق النقد مثل زائير وميانمار إثيوبيا أوزباكستان وحققت نمواً سريعاً لكن إذا ما نظرنا إلى الخريطة الجغرافية لتلك البلدان فراها غير مرتبطة بحدود جغرافية مع فلسطين المحتلة وغير مهتمة بالقضية الفلسطينية بل إن سياساتها تعتبر مؤيدة للعدو الصهيوني.
من يقرأ ويغوص في أسرار كتاب بعنوان «اعترافات قاتل اقتصادي» للكاتب الاقتصادي جون بورنكنز يكتشف الغرض الحقيقي من إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد حيث يعترف الكاتب أن هدف البنك الدولي هو فرش السجاد الأحمر للبلدان النامية وتسهيل عملية إغراقها في الديون رغم يقين البنك الدولي من عجز الدول عن سداد القروض وهنا يأتي دور القاتل الاقتصادي لوضع الرؤساء والملوك والأمراء والحكام أمام خيارات أحلاها مر، فإما القبول بشروط الغرب وأما الإقالة أو الاستقالة الطوعية او التصفية الجسدية كما حصل مع ملك السعودية الأسبق فيصل بن عبد العزيز ومع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي ومع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وبذلك توضع الحكومات تحت الضغط بالترغيب أو بالتهديد للقبول بالاستعمار الجديد ما يؤدي إلى مصادرة ثروات ومقدرات البلدان المقروضة والإمساك بقرارها السياسي ومنعها عن اتخاذ أي قرار لا يتماهى مع سياسة أميركا والغرب الداعم للعدو الإسرائيلي.
حين سئل مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق عن سر نجاح خطته التنموية والاقتصادية وجعل ماليزيا من ضمن الدول الثمانية الأولى في العالم أجاب:
أولاً: عملت على مكافحة الفساد في الإدارة وشجعت على القدرات الذاتية.
ثانياً: رفضت كل شروط وعروض البنك الدولي وصندوق النقد واعتمدت على قدراتنا الذاتية
نحن في الإقليم العربي بحاجة إلى مشروع اقتصادي نهضوي نعتمد فيه على قدراتنا الذاتية يغنينا عن أي قروض غربية من شأنها نهب ثرواتنا وسلب إرادتنا وكرامتنا وانتمائنا العربي ولهذا نقول: إياكم والبنك الدولي وإياكم وصندوق النقد الدولي ومؤسساته وذلك من أجل الحفاظ على كرامتنا والتمسك باستقلالية قرارنا العربي السيادي وضماناً لمستقبل أجيالنا القادمة ومنعاً لأي استعمار جديد للإقليم العربي.