يبدأ اليوم مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون السياسية ديفيد هيل زيارة الى لبنان، اوضحت الخارجية الاميركية في بيان لها انها ستكون للضغط على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل حكومة لانقاذ البلد. ليست هذه الزيارة الاولى لهيل الى لبنان ومن الواضح انها لن تكون الاخيرة، ولكن الفارق كبير بين الزيارات السابقة والحالية، فاليوم بات هيل يرتدي ثياب الدبلوماسيّة بعد ان خلع عنه ثياب "رعاة البقر" Cowboys وكان يتحدث بلهجة الحزم والجزم والتهديد، مستعيناً بصلاحيات استمدّها من ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب ووزير خارجيته في حينه مايك بومبيو. المقاربة اليوم باتت مختلفة، دون ان يعني هذا ان هيل سيأتي "مكسور الخاطر" او من موقف ضعف، ولكن من المؤكد انه لن يكون في نفس الموقف الذي تمتع به سابقاً، وهو يدرك ذلك تماماً، وما قيل عن ضغوط سيمارسها للاسراع في تشكيل الحكومة، انما يأتي في السياق العام للامور وليس وفق المنظار المعتمد سابقاً لجهة الضغط بقوة العقوبات والتهديدات. الضغط على المسؤولين للخروج بحكومة سريعة، لا يقتصر على جهة واحدة، فاللبنانيون "مضغوطون" من العالم اجمع، من الدول الشقيقة والصديقة كافة، في الشرق كما في الغرب، ولن تشذّ الولايات المتحدة عن هذه القاعدة. ولكن السؤال يكمن في مدى جدوى هذه الضغوط، وهل ستكون نتائجها قادرة على ما عجزت عنه الضغوط السابقة التي كانت اقسى واكثر ايلاماً للبنانيين؟ لا يتفاءل الكثيرون بذلك، وما يبثونه من اطمئنان وحيد يكمن في انها رسالة الى اللبنانيين بأن واشنطن انضمت الى قافلة الدول الاخرى في سعيها الى ايجاد الحلول، بدل التفرد بها والتغريد خارج السرب، أيّ بمعنى آخر فإن المباردة الفرنسية او بمعنى أصح، التحرك الفرنسي، لم تعد تخشى العوائق الاميركيّة او عدم التنسيق، بل اصبح الامر متعلقاً بمدى التقدم الحاصل في مفاوضات فيينا، خصوصاً وان المقاربة الاميركيّة لهذا الملفّ اختلفت بشكل جذري، مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاسات على الوضع في المنطقة ولبنان بشكل عام.
ولكن، لا يخفى على أحد أن الشق الاهم من زيارة هيل تتعلق بموضوع ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، فالاميركيون باتوا مقتنعين بأن يعطوا الروس دوراً اصبح بمثابة "حقّ" لهم في المنطقة بعد أن اصبحوا فعلياً في سوريا، ونسجوا شبكة اتصالات قوية مع دول واطراف مهمة في الشرق الاوسط، ولم يعد باستطاعة احد تخطّيهم ولو ان الخلاف الاميركي-الروسي تصاعد مع وصول الرئيس الاميركي جو بايدن الى البيت الابيض، لكن الجميع ملزمٌ بالتعاطي بواقعيّة مع الاحداث، بغض النظر عن الخلافات في الرأي والافكار.
مهمّة هيل لن تكون سهلة بطبيعة الحال، لأنّ الضبابية تسود حالياً المشهد الحكومي كما المشهد الحدودي، واثبتت الامور ان الهاء اللبنانيين بترتيب شؤون بيتهم لم ينجح في "تمرير" مسألة الحدود البحريّة من جهة اسرائيل، فيما تفاعلت على ما يبدو مسألة الحدود مع سوريا كما يجب، بحيث ان الطرفين المعنيين مباشرة بالمسألة اي الاميركيين (جنوباً) والروس (شمالاً) يحاولون قدر الامكان مراعاة مصالحهم وتأمين الاجواء المناسبة للبدء بالحصول على الموارد الماليّة اللازمة بفعل التنقيب واستخراج النفط والغاز.
مجيء هيل الى لبنان وجولاته على المسؤولين اللبنانيين سيسبق وصول رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الى روسيا للبحث في الشأن الحكومي، وهذا يرمز ايضاً الى ان المساعي لن تتعارض بل ان الاوضاع كلها في مرحلة ترقب وانتظار الموعد الحاسم للضوء الاخضر الذي سيحل الازمة السياسية البنانية "بسحر ساحر"، وسيعيد التسوية الى عقالها، ويفرح الجميع بما حصلوا عليه بعد معارك شرسة خاضوها على حساب اللبنانيين جميعاً، لتستقيم الامور بعدها وفق المحاصصات وتقاسم النفوذ والابداع في "تسجيل النقاط" الواهية.