في كل مرة يأتي فيها أي موفد عربي أو أجنبي إلى لبنان للبحث مع المسؤولين اللبنانيين عما يمكن فعله أو تقديمه من مساعدة في سبيل إخراج لبنان من أزماته، يختم زيارته بإعداد تقرير إلى بلاده بأن ما هو موجود على الساحة السياسية اللبنانية هو انعدام ثقة ما بين مسؤوليه، وهذا الموضوع يعكس تداعيات سلبية على كل الملفات المطروحة ويزيدها تعقيداً ويحول دون حلها، وما دامت هذه الأزمات تتعلق بانعدام الثقة فإنه يستحيل على أي طرف خارجي أن يكون له أي تأثير من شأنه أن يقرب المسافات ويضع حداً لما هو موجود من أزمات، وأكثر ما يمكن أن يقدمه هؤلاء خلال صولاتهم وجولاتهم على المسؤولين هو إسداء النصح، والتنبيه لمخاطر استمرار الوضع على ما هو عليه في ظل ما تعيشه المنطقة من متغيرات تتطلب من الدول المعنية ومن بينها لبنان ترتيب أوضاعها الداخلية لكي تتمكن من مجابهة ما هو آتٍ من تحديات واستحقاقات.
آخر الموفدين إلى لبنان كان الاسبوع الفائت، وهو وزير الخارجية المصرية، وممثل عن الأمين العام لجامعة الدول العربية، وانتهت زيارة كل منهما كما بدأها لا تقدم يذكر والنتيجة صفر، وغادرا لبنان ولديهما شعور بأن هذا البلد مقبل على مرحلة صعبة ومعقدة في ظل الثقة المفقودة بين مسؤوليه وأن الاستمرار في اتباع هذا النهج غير السوي سيدخل لبنان في أتون أزمات متلاحقة ربما تصل إلى حد تهديد كيانه، حيث أن الأزمة المعيشية والمالية السائدة الآن ربما تتدحرج باتجاه انفلات الشارع من عقاله بما يؤدي إلى انفجار اجتماعي قد يتحوّل إلى انفجار أمني خصوصاً وأن لبنان في وضعه الراهن مكشوف على كل المستويات، وقد عبّر عن ذلك في اكثر من مناسبة وزير الداخلية محمد فهمي الذي لم يستطع أن يخفي قلقه من امكانية انكشاف لبنان امنياً حيث ان القوى الامنية لا تعمل بحجم ربع ما يتوجب عليها القيام به لحفظ الأمن والاستقرار في لبنان.
وكما وزير الخارجية المصري وموفد الجامعة العربية، فكذلك سيكون حال وكيل وزارة الخارجية الأميركية للسياسة الخارجية ديفيد هيل الذي تقرر ان يزور لبنان هذا الاسبوع على خلفية استطلاع الوضع في ما خص ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وربما يعرج في زياراته على المسؤولين على الوضع الحكومي للوقوف على الأسباب التي تحول دون إتمام عملية تأليف الحكومة، غير أن زيارة هيل هذه المرة لن يكون لها أي تأثير على مجمل ما هو قادم لأجله، حيث وكما هو معلوم فان هيل بدأ يحزم حقائبه لترك منصبه في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، ولن يكون له اي دور في المستقبل في المنطقة، كما كان حاله خلال ادارة ترامب، وهو ما يعني ان هذه الزيارة لن تقدم ولن تؤخر وهي ربما تحقق هدفاً واحداً يأتي من أجله هيل إلى لبنان، وهو توديع أصدقائه من اللبنانيين، وإبلاغهم بأنه سيغادر منصبه في النصف الثاني من الشهر الحالي.
كل ما تقدّم يعني ان الوصفات الخارجية التي اسديت إلى اللبنانيين لم تأتِ بالنتائج المرجوة، وأن الأزمات المتشعبة في لبنان من حكومية إلى اقتصادية إلى نقدية قابلة للتفاقم ما لم يُسارع أهل الساسة في لبنان إلى وضع خلافاتهم جانباً، وتهدئة الخطاب السياسي الذي يلعب دوراً محورياً في تسعير الخلافات وتعقيد الحلول، وأولى الخطوات المطلوبة هي العودة إلى لغة الحوار والجلوس وجهاً لوجه للتفاهم على آليات الحلول بعدما عجز الخارج، أو تقصد إبداء العجز، في المساعدة على إنتاج الحلول المطلوبة لكل الأزمات التي يتخبّط فيها لبنان.