إنزلق مرسوم تعديل الحدود البحرية الجنوبية للبنان الى قلب النزاعات السياسية والتجاذبات الحادة، حتى أصبحت هناك حاجة إلى ترسيم حدود داخلية قبل البحرية.
على الرغم من انّ المرسوم 6433 هو شديد الأهمية والحساسية، كونه يلحظ حق لبنان في استعادة 1430 كلم اضافية من المساحة البحرية المتنازع عليها، وبالتالي يؤثر على المواجهة الديبلوماسية مع الكيان الاسرائيلي، الّا انّ ذلك لم يكن كافياً لتحييده عن المناكفات المحلية والحسابات الفئوية.
وعوضاً عن انّ تتمّ مقاربة المرسوم الحدودي من زاوية تعزيز الموقع التفاوضي للدولة اللبنانية، التي تحتاج إلى كل الأوراق القوية الممكنة، إذا بالأخذ والردّ حوله يهدّد بإضعاف هذا الموقع، وتحويل وجهة المشكلة في الاتجاه المعاكس، بدل ان تكون الصفوف متراصة، اقلّه في المبارزة مع إسرائيل التي يسعدها بالتأكيد الخلاف بين القوى الداخلية على رسم الحدود البحرية.. والنفطية.
ولكن، أين يقف «حزب الله» من التجاذب حول مرسوم تعديل حدود المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة، لاسيما بعدما وصل الى ملعب حليفه الرئيس ميشال عون، الذي ارتأى التريث في التوقيع عليه؟
قرّر الحزب النأي بنفسه عن السجالات حول المرسوم الإشكالي، مفضّلاً عدم إبداء أي موقف علني حياله، «بعدما خرج من اطاره الوطني المفترض، ليصبح مادة للتخوين وجزءاً من لعبة المماحكات.» ثم انّ الحزب يرى انّه ليس الجهة المناسبة للخوض في هذا الملف، وتحديد المساحة البحرية التي ينبغي أن تكون من حق لبنان، «بل الدولة هي المسؤولة عن ترسيم الحدود، ربطاً بما توصي به القوانين الدولية ودراسات الخبراء».
من هنا، يعتبر الحزب انّ على المرجعيات الرسمية في الدولة ان تحسم الأمر، «وبعد ذلك تصبح المقاومة ملزمة بالدفاع عن الحدود البحرية المعتمدة واستطراداً الثروة النفطية، كما هي ملزمة بالدفاع عن الحدود البرية».
وتؤكّد الاوساط المطّلعة على موقف الحزب، انّه غير معني بمسألة من معه حق ومن عليه الحق، ومن يجب أن يوقّع او لا يوقّع، وهو ليس في وارد الضغط على هذا أو ذاك، ولا يريد إقحام نفسه في كل هذه المعمعة، وإنما ينتظر ان يتوافق أصحاب الشأن على مقاربة واحدة للحدود، وبعدها يبدأ دوره.
اما الرئيس نبيه بري، فإنّ العارفين بحقيقة موقفه يؤكّدون انّه لم يعارض مبدأ المرسوم، ولم يضغط على رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لمنع وزير الأشغال ميشال نجار من توقيعه، بل هو يعتبر اصلاً انّ هذا الأمر يندرج في اطار اختصاص السلطة التنفيذية.
ووفق العارفين، يردّ بري على من كان يتهمه بالتهاون وعدم حماسته لاستعادة 1430 كيلومتراً مربعاً الى السيادة اللبنانية، بالتساؤل الآتي: «لماذا لا توقّعوا على المرسوم بعدما أصبح عندكم. كنت تتهمونني بالتخاذل، فأين أنتم الآن؟».
ويتوجّه القريبون من بري الى «المزايدين» عليه بالمعادلة الآتية: «إذا كنتم تريدون تثبيت المرسوم بشكل نهائي، فذلك يعني انتهاء المفاوضات وسقوطها عملياً، وبالتالي ينبغي الاستعداد لتحمّل التبعات، واذا كنتم تريدون استخدامه للتفاوض والتنازل عنه لاحقاً، فهذا سيكون تفريطاً بالسيادة ومبرراً لاتهامكم بالخيانة.. عليكم ان تحسموا امركم».
ومع وصول المرسوم الى بعبدا مذيلّاً بتواقيع الوزراء المعنيين، اختار الرئيس ميشال عون عدم توقيعه فوراً، على قاعدة انّ إقراره يحتاج إلى اجتماع لمجلس الوزراء، ربطاً بأهميته والنتائج المترتبة عليه. لكن هذا الطرح لم يقنع البعض ممن وجد في تأني رئيس الجمهورية محاولة لاستخدام ورقة الحدود البحرية في حسابات سياسية تتصل بمستقبل العلاقة مع الأميركيين ووضع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
اما الداعمون لخيار قصر بعبدا بالتمهل، فيستهجنون تقزيم قضية وطنية تتعلق بالحقوق السيادية الى مستوى التفسيرات الضيقّة. مؤكّدين انّ توقيع عون لن يوضع الّا حيث تكون المصلحة الوطنية وفي التوقيت المناسب، بعيدًا من المزايدات والشعبوية