اعتبرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في افتتاحية عددها الصادر اليوم، أن الرئيس الأميركي جو بايدن بإعلانه انسحاب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان، في الحادي عشر من أيلول المقبل، يكون قد أعلن "لا نصر ولا هزيمة"، لكن قراره هذا يشير إلى فشل سياسة خارجية تهدف إلى تغيير الأنظمة السياسية من خلال القوة العسكرية، بحسب الصحيفة، التي رأت أن الادعاء بالنصر سيكون صعبا بعد 20 سنة من الوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان وسقوط آلاف القتلى، بما في ذلك أكثر من 2400 أميركي، حيث لم يتحقق السلام، وسيطرت طالبان، التي زاد نشاطها في الأشهر الأخيرة، على ما يقرب من نصف الأراضي، كما أن وضع الحكومة في كابول هش، ولا أحد يضمن بقاءها بعد رحيل القوات الغربية.
لكن الهزيمة ليست كاملة، تقول "لوموند"، مذكّرة أن الدعم المقدم للحكومة الأفغانية أتاح عودة الفتيات إلى المدرسة وإحراز تقدم في مشاركة المرأة في الحياة العامة، ومشيرة إلى أن الهدف الذي حددته القوات الأميركية بالتدخل في أفغانستان في تشرين الأول عام 2001، هو منع هذا البلد من إيواء تنظيم القاعدة الذي يقف وراء هجمات الـ 11 أيلول ضد مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن. فقد قتل أسامة بن لادن العقل المدبر لهذه الهجمات في غارة أميركية في باكستان قبل عشر سنوات.
لكن أسباب بقاء الولايات المتحدة في أفغانستان أصبحت أقلّ وضوحاً، بحسب ما أشار الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه يوم الأربعاء الماضي، إذ أن القوات الأميركية، التي يبلغ عددها اليوم على الأرض 2500 جندي فقط بعد أن وصل هذا العدد إلى 90 ألف جندي في عام 2010، لم يعد لديها رسميًا مهمة قتالية، بل أضحت مهمتها تتمثل في دعم وتدريب الجيش الأفغاني، على جانب قوات حلف الناتو.
ومضت "لوموند" إلى القول إن خطرَ هذا الرحيل غير المشروط واضحٌ، حيث إن حركة طالبان قد تستغل انسحاب القوات الأجنبية التي تعد أحد الركائز الأخيرة للاستقرار في هذا البلد، وذلك على الرغم من مفاوضات السلام الجارية مع الحركة في العاصمة القطرية الدوحة وعواصم أخرى.
وتابعت "لوموند" إن أولويات البيت الأبيض اليوم تكمن في مكان آخر، موضحة أن عهد الحروب التي لا نهاية لها ويستحيل كسبها قد انتهى. وأصبحنا اليوم في عهد التعزيز الاجتماعي والاقتصادي للولايات المتحدة، وهو أمر ضروري لمواجهة التحدي الصيني والتهديدات العالمية الجديدة السائدة.
ولفتت "لوموند" إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن، قال إن الانسحاب الأميركي سيكون مصحوبًا بانسحاب قوات الناتو الأخرى، التي يبلغ قوامها الحالي 6 آلاف جندي. لكن بالنسبة لرئيس حريص على استعادة أواصر الثقة بين واشنطن وحلفائها، كان هذا الجزء من خطابه مقتضباً للأسف، توضح "لوموند"، معتبرة أن كلمة شكر أمام الشعب الأميركي لأولئك الحلفاء الذين دفعوا أيضًا ثمناً باهظاً في الأرواح البشرية لدعم القوات الأميركية كان من شأنها أن تكون موضع ترحيب. كما أن حداً أدنى من التشاور مع القادة الأوروبيين قبل اتخاذ قرار الانسحاب كان سيكون حكيماً. فلم يعد دونالد ترامب هنا، لكن شعاره "أمريكا أولاً" ما زال حاضراً، بحسب صحيفة "لوموند".