في الأشهر الماضية، طغى في الأوساط السياسية الحديث عن أن أبرز العقد الحكوميّة تكمن بسعي رئيس الجمهورية ميشال عون إلى ضمان مستقبل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل السياسي، لا سيما بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه، خصوصاً أن الحكومة العتيدة ستكون، على الأرجح، الأخيرة في ولايته الرئاسية.
في المقابل، ما ينبغي التوقف عنده هو أن باسيل ليس وحده الذي يعاني من عدم وضوح مستقبله السياسي في ظلّ الحالة الضبابيّة التي تمرّ بها البلاد، والتي ضعضعت الثّقة بأغلب أركان الطبقة السياسية، فرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري على رأس قائمة الشخصيّات التي تعاني من الواقع نفسه، إلا أنه يحاول إخفاء هذا الأمر عبر العديد من الخطوات التي تظهره "قوياً"، سواء في بيئته الشعبيّة أو في علاقاته الدولية.
من وجهة نظر أوساط سياسية متابعة، فإنّ أهم أسباب تمسك الحريري بورقة التكليف يكمن بالخوف من المنافسة التي يشعر بها في الساحة السنّية على وجه الخصوص، حيث يزداد عدد الشخصيات الراغبة في تولّي الزعامة السياسية على هذه الساحة، في ظل الأزمات التي يمر بها تيار "المستقبل" على المستوى الشعبي.
أبرز هذه الشخصيات، بحسب ما تؤكد هذه الأوساط، شقيقه رجل الأعمال بهاء الحريري، الذي نجح في حجز موقع بارز له في الساحتين الإعلاميّة والشعبيّة، بحسب ما تؤكّد العديد من استطلاعات الرأي، بالرغم من أنّ المواقف التي يتبنّاها رئيس الحكومة، في المرحلة الراهنة، ساهمت في تعويض جزء من الخسائر التي كان قد مُني بها في السنوات الماضية.
في هذا السياق، تشير الأوساط نفسها إلى أنّ بهاء الحريري شعر بالقدرة على التحرك على نطاق أوسع بعد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية، الأمر الذي دفعه إلى رفع مستوى الحركة السياسية التي يقوم بها، لاسيّما أن الإمكانيات الماليّة التي لديه أكبر من تلك التي لدى شقيقه في الوقت الراهن.
في المقابل، سعى رئيس الحكومة المكلّف، من وجهة نظر الأوساط السّياسية المتابعة، إلى تحسين أوراق قوّته عبر البحث عن إعادة كسب ثقة الحاضنة الإقليميّة التقليديّة له، أيّ المملكة العربيّة السعوديّة، لكنه حتى الآن لم ينجح في تحقيق هذه الغاية، الأمر الذي يدفعه إلى التريث في تأليف الحكومة، بالتزامن مع السعي إلى حشد أكبر تأييد خارجي، من خلال الجولات التي يقوم بها على عدد من العواصم.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، فإنّ الهاجس الأساسي الذي لدى رئيس الحكومة المكلّف يكمن في كيفية التعامل مع الإنتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً مع تزايد عدد خصومه في الساحة السنية الذين ينتمون إلى المدرسة السياسية نفسها، كالوزيرين السابقين نهاد المشنوق وأشرف ريفي، بالإضافة إلى شقيقه الأكبر.
ما تقدم، بحسب الأوساط نفسها، يعني أنّ الحريري، على الأقلّ، سيخسر نسبة من الأصوات التي كان تصب في صالح لوائحه في الدوائر المختلفة، في حال لم يخسر عدداً من المقاعد النيابية، مع العلم أن هذا الانقسام في الأصوات، التي تنتمي إلى المدرسة السياسية نفسها، قد يعزز فرص فوز المنافسين التقليديين أو الجدد من أصحاب التوجهات المدنية.
في المحصّلة، الأزمة الأكبر ستكون في حال لم ينجح رئيس الحكومة في التأليف أو فشل في مقاربة الأزمة قبل موعد الإنتخابات، لاسيّما اذا ما ترافق ذلك مع إستمرار حالة الالتباس القائمة على مستوى العلاقة مع السعوديّة، نظراً إلى أن ذلك سيفتح باب المنافسة على الزعامة السنية على مصراعيه.