اشار متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده الى انه "منذ أيام، في 13 نيسان، استذكرنا بداية الحرب التي دامت سنوات وخلفت ضحايا ودمارا وويلات، لكن يبدو أننا لم نتعلم من دروسها القاسية، ولم نعلن توبة صادقة عن كل الخطايا التي اقترفناها بحق وطننا، ولم نأخذ العبر. فما عجزت عنه الحرب أوصلنا إليه زعماء وسياسيون وحكام عاثوا فسادا، وأشبعونا وعودا، وأوصلونا إلى الجحيم. ترى هل التخلص من الأنا صعب إلى هذا الحد؟ هل نبذ المصلحة الخاصة، وإجراء الإصلاحات التي تحولنا إلى دولة عصرية ناجحة صعب؟ هل العمل الدؤوب من أجل إخراج البلد من جو الصراعات والمناكفات والأحقاد وتصفية الحسابات مستحيل؟ يومها كان البعض يريد أن يجعل من لبنان وطنا بديلا، أما اليوم فاللبنانيون يفتشون عن وطن بديل يحميهم ويؤمن لهم حياة كريمة. عند ذاك كان الآخرون يصفون حساباتهم على أرضنا، اليوم السياسيون اللبنانيون يصفون حساباتهم مع إخوتهم اللبنانيين، وفي الحالتين المواطن وحده يدفع الثمن. كنا نعاني التدخلات الأجنبية والاحتلالات، فإذا بنا اليوم نعاني من التبعية للخارج ومن المعارك العبثية والسطو على مقدرات البلد وأموال المواطنين، ومن تقاسم الحصص والمراكز، ومن التغاضي عن هدر حقوق لبنان واللبنانيين طالما حقوق المسؤولين محفوظة. هؤلاء صادروا قرار اللبنانيين وتحكموا بمصائرهم ورهنوا مستقبلهم ومستقبل أولادهم برهاناتهم على الخارج، وكأن الترياق سيأتينا من هذا الخارج. ألم يع اللبنانيون أن الخارج لا يعمل إلا لمصلحته، وأنه يستعملنا مطية يتخلص منها عندما ينتهي دورها؟"
وخلال قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت، لفت عودة الى انه "بالأمس كان الصراع بين الطوائف، أما اليوم فالطوائف تنمو على حساب الوطن، والدويلة على حساب الدولة، ومصلحة بعض الأفراد على حساب المجتمع، ومصلحة الفرد على حساب الجماعة. شهوة السلطة تسيطر على العقول وتكبلها، فينتهج أربابها سياسة انتحارية تودي بلبنان واللبنانيين إلى الهاوية. أصبح بضعة زعماء يحكمون البلد على أشلاء المواطنين، يتحكمون بمصير الناس ويعملون لمصالحهم الخاصة، يستعملون الشعب وقودا لحروبهم وأضاحي، غير آبهين بمصير البلد وبآلام الشعب وكرامته. وهنا سؤال مصيري وجودي يطرح نفسه: هل لبنان هو الهدف والغاية أم المصلحة والحزب والطائفة؟ وهل لبنان وطن نهائي لكل أبنائه أم هو معبر وجسر ووسيلة؟ إن اللبناني الحقيقي، إلى أي طائفة انتمى، يعمل من أجل مصلحة لبنان لا طائفته أو مرجعيته الخارجية. الانتماء الحقيقي الصادق إلى الوطن هو ما سينقذ لبنان واللبنانيين من الهاوية التي دفعهم إليها الطائفيون المفتشون عن مكاسبهم الشخصية عبر التغني بطوائفهم. عوض التفكير بمستقبل الساسة يجب التفكير بمستقبل الوطن الذي يكاد يضيع. عوض الاهتمام بمصير الزعماء ومستقبلهم السياسي يجب الإهتمام بمصير الوطن. عندما كانوا متفقين تقاسموا المغانم وأهملوا البلد، وعندما اختلفوا أضاعوا البلد. مخجل رأي زعماء العالم بزعمائنا. نحن نخجل وهم لا يخجلون بل يتابعون نهجهم التدميري، ويربطون مصيرنا بانتخابات هناك ومحادثات هنالك. وعوض أن ننأى بأنفسنا عن مشاكل محيطنا، نأى العالم بنفسه عنا، وأشاح وجهه عن خطايانا الكثيرة التي كلفتنا ضياع البلد وضياع ماء الوجه، ولا يلزمنا اليوم إلا شيء من الشجاعة للاعتراف بالمسؤولية والانصياع للمحاسبة، وإذا اقتضى الأمر التنحي وترك المجال لمن هم قادرون على الإنقاذ. توبة مريم المصرية أتاحت لها الوصول إلى القداسة، فهل من يفهم؟"
وختم عوده: "لا بد من التوقف عند ما شهدناه بالأمس من تصرف قد لا يكون يليق بالسلطة القضائية التي طالبناها بإبعاد السياسة عن عملها، والانتفاض على الوضع المزري. كما نطالب كافة الأجهزة الرقابية بالاستفاقة من سباتها العميق، والقيام بواجبها الرقابي بحزم ومسؤولية، لئلا تقضي الفوضى على ما تبقى من إدارات الدولة. حفظكم الرب من مكائد الشرير، وأهلنا جميعا للوقوف أمام منبره الرهيب بلا لوم ولا عيب، وأن نستحق المشاركة بالمائدة الفصحية ومعاينة جمال الملكوت السماوي".