لا شكّ أن تاريخ 17 تشرين الأول 2019، هو تاريخ مفصلي في حياة اللبنانيين جميعاً، حيث استشعر الجميع بأن "الشعب" قد سئم التصرفات السياسية والمحاصصة وبات يريد وطناً مستقلاً، يحكمه حكم القانون لا حكم التحاصص الطائفي والزبائنية ونهب المال العام.
وبغض النظر عن الشكوك التي تحيط عادة بهذا النوع من الثورات، كان هناك ما يشبه الإجماع بين اللبنانيين، أن غالبية مَن نزلوا في بدايات "الثورة" كانوا مفعمين بالأمل بالتغيير الحقيقي، وكانوا يريدون وطناً لأولادهم لا يشبه الوطن الذين نعيش فيه. وكما في كل الثورات، كانت هناك بعض المجموعات الحزبية التي أرادت أن تمتطي صرخات الناس لتحقق مكاسب سياسية ضد خصومها في الحكم، والبعض الآخر كان مأجوراً ينفذ أجندات خارجية، ولكن بقيت الغالبية الشعبية لا تريد سوى وطناً ومستقبلاً كريماً.
وشيئاً فشيئاً، وكما في كل الثورات أيضاً، بدأت الفئات الأكثر تمويلاً والأكثر تنظيماً، بالسيطرة على مسار الثورة في لبنان وتسويق أجنداتها على حساب الأجندة الوطنية الحقيقية، تماماً كما حصل في ثورة مصر (25 يناير) حين كان تنظيم الأخوان المسلمين الذين التحقوا بالثورة فيما بعد، أكثر تنظيماً وتمويلاً، فاستطاعوا أن يحرفوها عن هدفها الأساسي، ما اضطر الشعب المصري الى ثورة ثانية لتصحيح المسار والتخلص ممن سرق ثورتهم، وهكذا دواليك.
واليوم، وبعد مرور كل هذه الأحداث في لبنان منذ الثورة، وفي خضّم معركة القاضية غادة عون مع الفساد، مروراً بانفجار بيروت وانهيار العملة وسرقة مدخرات الناس في البنوك التي أقفلت بدون سبب ظاهري مشروع خلال أحداث 17 تشرين 2019، وحجبت الأموال عن المودعين في وقت تمّ تهريب ملايين الدولارات الى الخارج من قبل نافذين ومصرفيين، في أكبر خيانة وطنية عرفها لبنان في العصر الحديث...
اليوم، في ظل هذه الأحداث ونتائجها، ومع استمرار البعض بتشنيف آذاننا بمطالعات ثورية مثالية وطنية، حول "كلن يعني كلن" و "التغيير الحقيقي" واستقلالية السلطة السياسة وغيرها، لا بد لنا من أن نطرح على هؤلاء الأسئلة التالية:
- كيف يمكن لثورة أن تدّعي رغبتها في بناء وطن يحكمه القانون، تقوم بالتبرير لرياض سلامة بحقه بأن لا يمثل أمام القضاء اللبناني بالرغم من مثوله أمام القضاء الفرنسي والبريطاني والسويسري؟.
- كيف يمكن لثورة تدّعي أنها مع حقوق المرأة اللبنانية، وتعتبر أن "الثورة أنثى" أن تهتك عرض الامهات وتشتمهن بأكثر أنواع البذاءة اللاأخلاقية، وتعيير قاضية تكافح الفساد بمظهر شعرها وتتهمها بالجنون؟.
- كيف يمكن لثورة أن تدّعي أنها مع شعار "كلن يعني كلن"، أن تقوم بالتعبئة اليوم لإنشاء جبهة (مدعومة من الدول العربية والدولية بحسب تعبيرهم هم) للمطالبة بحكومة انتقالية برئاسة قائد الجيش في حال لم يستطع الحريري تشكيل حكومة!! إذا الحل برأيهم يكون بأن يشكّل الحريري حكومة وإلا فالانقلاب العسكري؟ وعليه، لماذا قامت الثورة بالإطاحة بالحريري أصلاً، وهل الانقلاب العسكري هو التطبيق العملي لحلم "الدولة الديمقراطية والانتخابات الحرّة النزيهة" الموعودة بحال نجاح الثورة كما بشرونا في بداياتها؟.
- كيف يمكن لثورة تدّعي ايمانها بضرورة إقامة "الدولة المدنية"، بتنصيب رجل دين ملهماً ثورياً وناطقاً باسمهم؟.
- كيف يمكن لثورة تريد محاسبة الجميع على نهب المال، أن تقف ضد التدقيق الجنائي وتعتبر "أنه مش وقته هلق" وتشكيل حكومة "كما يريدها الحريري" هو الأهم!.
- كيف يمكن لثورة تعتبر أنه يجب الإطاحة بالسياسيين جميعهم لأنهم فاسدين أثروا على حساب الشعب ومدخراته، بينما نجد العديد ممن يتكلمون باسم الثورة عليهم مئات علامات الاستفهام فيما يتعلق بحساباتهم المالية، ومظاهر الثراء الفاحش التي هبطت عليهم فجأة؟
هي أسئلة كثيرة، لا نجد إجابات عليها سوى التخوين والاتهام بأننا "غنم وعبيد"... ولكن!
يبقى الأمل بالعديد من المجموعات التي نزلت في 17 تشرين أملاً بالتغيير، وبالأغلبية الصامتة التي تتضامن مع نفسها في الأساس، فتتضامن مع كل بارقة أمل بحكم قانون وبمحاسبة حقيقية في لبنان.. الى هؤلاء نقول، سنبقى نقاتل معاً الى أن ينتصر لبنان.
والى مَن يتلقى التمويل لتيئييس اللبنانيين وذلّهم عبر تكريس حكم الزعران (باسم الثورة) المستمر منذ ما بعد الحرب الأهلية، الى هؤلاء نقول: خسئتم أنتم وثورتكم المزعومة، وستنهزمون شرّ هزيمة.