يُصرُّ الفلسطينيون على مُمارسة حقّهم الدستوري بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المُقرّرة يومي السبت في 22 أيار/مايو و31 تموز/يوليو المُقبلين في مناطق السلطة الفلسطينية: الضفّة الغربية، قطاع غزّة والقدس المُحتلّة.
يُدرك الفلسطينيون أنّ الاحتلال الإسرائيلي، الذي تذرّع مِراراً وتكراراً بالانقسام الفلسطيني لعدم الإلتزام بتنفيذ القرارات الدولية، لن يُتيح لهم مُمارسة حقهم بالتعبير عن اختيار مُمثّليهم عبر العملية الدستورية الديمُقراطية، لأنّ إجراء الانتخابات خطوة أولى أساسية على طريق تحقيق المُصالحة وإنهاء الانقسام مُنذ 15 عاماً.
يتيقّن الفلسطينيون من أنّ معركة الانتخابات لن تكون سهلة، بتصعيد الاحتلال حصاره ضد قطاع غزّة كما عدوانه، وتجديد مُمارساته التعسّفية والقمعية، في الضفّة الغربية، باعتقال عدد من المُرشّحين، وتهديد آخرين، والتضييق على إقامة النشاطات الانتخابية.
لكن المعركة الأبرز، هي في القدس، التي يتعامل معها الاحتلال على أنّها عاصمة دولته اليهودية المُوحّدة، التي باركها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ولا يعترف بأنّها عاصمة الدولة الفلسطينية المُستقلة، حتى لو كان ذلك على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وفق ما أقرّته الأُمم المُتّحدة والقرارات والمواثيق الدولية.
يرفض السماح بما يرمُز إلى أنّ القدس الشرقية جُزء من الدولة الفلسطينية، فيسعى إلى تهويد المدينة المُقدّسة، عبر قرارات تعسّفية بمُصادرة أملاكٍ وأراضٍ، وهدم منازلٍ، واقتلاع الأهالي، السكان الأصليين، والاستمرار بحملات الاعتقال والإبعاد عن المدينة المُقدّسة، فضلاً عن مُواصلة مُحاولات التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، بعد التقسيم الزماني، بالسماح لغُلاة المُستوطنين باستباحة باحاته ومُمارسة الطقوس التلمودية، وتعمُّد إقفاله بين حين وآخر بذرائع شتى.
هذا فضلاً عن مُحاولات شراء عقارات المقدسيين بطرق شتى، وهو ما وُوجّه بتصدّي أهالي القدس لذلك، والتذكير بالفتوى التي أصدرها علماء فلسطين في العام 1935، التي تُحرّم بيع العقارات إلى المُحتل الإسرائيلي.
وقد رفع الاحتلال من مُمارساته القمعية في المدينة المُقدّسة ضد المُرشّحين للانتخابات التشريعية، خاصة على قائمة حركة "فتح"، اعتقالاً وإبعاداً ومنعاً لإقامة النشاطات.
كان ردُّ المقدسيين ميدانياً برفع مُستوى الاشتباك مع المُحتل الإسرائيلي، الذي تقوده حركة "فتح"، خاصة في مُحيط المسجد الأقصى، قرب باب العامود وشارع السلطان سليمان، المُستمرّة لليوم السابع على التوالي، حيث يعمد الاحتلال إلى الاعتداء بالضرب على المقدسيين، وإلقاء القنابل المُسيّلة للدموع، ورشّهم بالمياه العادمة بهدف تفريقهم، فضلاً عن مُحاولات منعهم من الوصول إلى مسجد الأقصى لأداء الصلوات خاصة صلاة التراويح.
هذا في ظل موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتطوّرات الإيجابية الأخيرة التي خطّها باستئناف الاتصالات السياسية الفلسطينية - الأميركية، وإعادة المُساعدات المالية، خاصة إلى وكالة "الأونروا" وللشعب الفلسطيني، والوعد بإعادة افتتاح القُنصلية الأميركية في القدس الشرقية، التي أقفلها الرئيس ترامب، وكذلك مكتب "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن، واستئناف الجُهد الدولي المُشترك من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وإحلال السلام العادل والدائم، وتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في إطار حل الدولتين.
وهو ما يرفضه الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى تكريس أمر واقع أمام إدارة البيت الأبيض الجديدة.
تترافق المُواجهة الميدانية في القدس، مع مُواجهة سياسية بالتصدّي لمُحاولات الاحتلال منع الناخبين المقدسيين، البالغ عددهم 88.899، سجّلوا أسماءهم على لوائح الانتخابات، من مُمارسة حقّهم ترشيحاً واقتراعاً، في وقت لم ترُد فيه سلطات الاحتلال على رسالة السلطة الفلسطينية بإجراء الانتخابات.
تبرُز الخشية من إقدام الاحتلال على منع إجراء الانتخابات، والتي تُقابل بإصرار فلسطيني على مُمارسة هذا الحق الذي كفله الدستور والمواثيق والأعراف الدولية، بالتأكيد على أنّ القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية.
وقد واصل رئيس دولة فلسطين محمود عباس والقيادة الفلسطينية، الاتصالات على أكثر من صعيد، لمنع الاحتلال من عرقلة العملية الانتخابية في المناطق الفلسطينية كافة، خاصة في القدس الشرقية.
كان هذا الملف محور اجتماع اللجنة التنفيذية لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية"، الذي عُقِدَ برئاسة الرئيس عباس في مقر الرئاسة في رام الله، بحضور رئيس "لجنة الانتخابات المركزية" الدكتور حنا ناصر.
وأكد الرئيس عباس "أنّنا مُصمّمون على إجراء الانتخابات في موعدها في كل الأماكن الفلسطينية، التي تعوّدنا أنْ نُجريها فيها، وهي الضفّة الغربية، القدس الشرقية وقطاع غزّة".
وشدّد على أنّ "موضوع الانتخابات لا تغيير ولا تبديل فيه، وبالنسبة للقدس فإنّنا نرفض إلا أنْ تكون الانتخابات والترشيحات في مدينة القدس، حتى الآن هذا هو موقفنا، لم يصلنا بعد أي إشارة أخرى لنبحثها، وإنما هذا هو الموقف الذي نحن مُصمّمون عليه".
ملف الانتخابات الفلسطينية في القدس، حمله وزير الخارجية والمُغتربين الفلسطيني الدكتور رياض المالكي في جولة له على عدد من العواصم الأوروبية، انطلقت أمس الأول (الأحد).
تهدُف الجولة إلى وضع المُجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي والدول كافة، أمام مسؤوليتها من أجل ضمان إجراء الانتخابات الفلسطينية من دون أي عراقيل أو عقبات إسرائيلية، بما في ذلك إجراؤها في القدس، انتخاباً وترشيحاً، من خلال الضغط على الكيان الإسرائيلي لوقف جميع الإجراءات والمُمارسات التي من شأنها عرقلة إجراء الانتخابات في المدينة المُقدّسة.