مرة جديدة يعود الرهان على دور المؤسسة العسكرية في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد على المستوى السياسي، لا سيما بعد المواقف التي أطلقها نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي في هذا الإطار، على وقع ما حصل على مستوى السلطة القضائيّة في الأيام الماضية، الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى السؤال عن الهدف أو المصلحة من إدخال الجيش في دوامة الصراعات السياسية القائمة؟.
منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، طرح البعض فكرة أن تتولى المؤسسة العسكرية السلطة في ظلّ حالة عدم الثقة التي تعاني منها معظم القوى السياسية، بالإستناد إلى الثقة التي تحظى بها على المستويين الداخلي والخارجي، في حين كان لدى البعض الآخر وجهة نظر أخرى رافضة، إنطلاقاً من التوازنات التي تحكم المعادلة اللبنانية.
بالتوازي، برز الإتهام الذي وجهه رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية إلى قائد الجيش العماد جوزاف عون، بالوقوف وراء الحملة التي شنت ضده على خلفية توقيع مرسوم تعديل الحدود البحرية جنوباً، واضعاً ذلك في سياق تحضير عون نفسه للإنتخابات الرئاسيّة المقبلة، لا سيما أنّ أيّ قائد للجيش يصبح حكماً، منذ لحظة تعيينه، مرشحاً طبيعياً في هذا الإستحقاق.
على الرغم من ذلك، لدى بعض الأوساط السياسية قناعة بأنّ هذا الطرح لا يأتي من منطلق الحرص على الإستفادة من دور المؤسسة العسكرية في معالجة الأزمة الراهنة أو فتح الباب للوصول إلى هذه المعالجة في مرحلة لاحقة، عبر تحضير الأرضية لتنظيم الإنتخابات النيابية المقبلة، نظراً إلى أنه يأتي في سياق السعي إلى إستهداف كل من رئيس الجمهورية ميشال عون و"التيار الوطني الحر" بالدرجة الأولى، الأمر الذي يدفعها إلى التأكيد بأن هذا الطرح خطير حتى ولو كان نيّة من تقدم به سليمة.
وبالتالي هو من الممكن أن يدخل الجيش في دوّامة الصراعات السّياسية الحادّة، بدل أن يبقي المؤسسة الوحيدة التي تجمع الغالبية على أهمية دورها الوطني، بحسب ما ترى هذه الأوساط، بعيدة عن دائرة الإنقسامات القاتلة، لا سيما أن هذا الطرح لا يحظى بإجماع حوله لا بل يلقى معارضة واسعة من قبل مجموعة من القوى السياسية، خصوصاً أنه قد يكون بوابة نحو رسم معالم مرحلة طويلة تقوم على أساس وضع توازنات لم تتضح معالمها بعد.
وفي حين تشير الأوساط نفسها إلى أن هذا السيناريو قد يكون بعيداً عن الواقع في المرحلة الراهنة، لا سيما أن الجميع ينتظر ما قد ينجم عن التطورات الإقليمية والدولية من تحولات، قد تنعكس إيجاباً على الساحة المحلية، لا تنكر أن حظوظه قد ترتفع في حال الذهاب إلى مرحلة واسعة من الفوضى في الشارع، نظراً إلى أن العديد من القوى الخارجية قد تفضل هكذا حل مقابل الحفاظ على الإستقرار المحلي، وتلفت إلى أن هذا الطرح ليس وليد ساعته بل تم البحث فيه في بعض الأروقة في وقت سابق، على أساس أن يكون من ضمن باقة تشمل البحث في مجموعة من التعديلات الدستورية.
في المحصلة، يبدو أن الأيام المقبلة ستكون حافلة بالتطورات على المستوى المحلي، إنطلاقاً من الحراك القائم على المستوى الخارجي، الامر الذي يدفع إلى التأكيد بأن المصلحة الوطنية قد تكون في إبقاء المؤسسة العسكرية بعيدة عن رغبات بعض القوى السياسية، لا سيما تلك التي قد تكون راغبة في إحراق المراحل.