كل بضعة أيّام يتقدّم الحديث بشأن الملفّ الحُكومي المُتعثّر منذ نحو ستة أشهر، ثم يعود ويتراجع من جديد، بفعل تقدّم مواضيع خلافيّة أخرى، على غرار التدقيق الجنائي والملفّات القضائيّة، إلخ. فأين نحن اليوم من الملفّ الحُكومي، وهل من بريق أمل بإمكان إحداث الخرق المَنشود، في ظلّ ما يحصل من إتصالات ومُفاوضات وتطوّرات، محليًا وإقليميًا ودوليًا؟.
بالنسبة إلى الإتصالات الروسيّة التي تقودها موسكو حاليًا، والتي من المُتوقّع أن تشمل المزيد من الشخصيّات اللبنانيّةفي الأيّام والأسابيع المُقبلة، فهي ليست حلاً بحدّ عينها، ولا تُمثّل بديلاً عن الحراك الفرنسي المُتعثّر.وعلى الرغم من إيجابيّة الإستقبالات التي تُجريها موسكو، والتي تدخل في نهاية المطاف في سياق تنامي الدور الروسي في منطقتنا على حساب تراجع الدور الأميركي، فإنّ هذه الإتصالات لا تشمل أيّ مُبادرة مُحدّدة للخروج من الحلقة المُفرغة. ولا تزال الأطراف اللبنانيّة المَعنيّة، والتي يتوالى توجّهها إلى العاصمة الروسيّة، تُدافع عن خياراتها وعن شروطهاأمام المسؤولين الروس.
وبالنسبة إلى الحديث المُتزايد عن تقدّم في مُفاوضات الملف النووي الإيراني، بالتزامن مع حديث مُواز عن إتصالات سُعوديّة–إيرانيّة، فإنّ هذه التطوّرات على أهمّيتها لا تفتح باب الحلّ في لبنان، وإن كانت تؤثّر عليه إيجابًا بدون أدنى شك. إشارة إلى أنّ المَلفّ اللبناني الداخلي يأتي في أدنى لائحة ملفّات المنطقة، مع العلم أنّ مفاوضات الملفّ النووي، وكذلك المُفاوضات التي قد تقود إلى حلّ في اليمن وفي غيره من الساحات الساخنة، ستستغرق أشهرًا عدّة. وبالتالي لا نتائج إيجابيّة فوريّة لما يحدث إقليميًا، وخُصوصًا لا إنعكاسات مباشرة وفوريّة في لبنان، بل ربما تُصبح الأجواء مُهيّئة للحلّ بشكل إيجابي في المُستقبل، في حال حُصول أيّ تقدّم في الإتصالات مع القيادة الإيرانيّة.
بالعودة إلى الإتصالات القائمة في لبنان، إنّ الوساطة التي تتمّ على المُستوى الداخلي بدفع من "حزب الله" خلف الكواليس، لم تتمكّن من تجاوز الإنقسامات بعد، في ظلّ عدم رغبة "الحزب" بالضغط لا على "التيّار الوطني الحُر" ولا على "تيّار المُستقبل". وفي حين يَعتبر خُصوم "حزب الله" أنّ هذا الأخير مُستفيد من الوضع القائم في لبنان حاليًا، في إنتظار مَعرفة إتجاه الأمور على المُستوى الإقليمي، وبأنّه الطرف الأكثر قُدرة على التعامل مع أيّ إنهيار داخلي مُحتمل، يؤكّد مُناصرو "الحزب" أنّ رهان البعض على مُمارسة الضُغوط على رئيس الجمُهوريّة العماد ميشال عون، غير واردة لدى "الحزب" لا من قريب ولا من بعيد، وما حصل على مدى سنتين ونصف قبل "التسوية الرئاسيّة" هو خير دليل على ذلك. وبحسب هؤلاء، إنّ "الحزب" لن يضغط على الحريري أيضًا، تجنّبًا لأيّ تشنّجات بأبعاد مذهبيّة،ولأنّ هذا الأخير يتحصّن بدعم واسع يشمل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجية ورئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط وقوى لبنانيّة أخرى. وبالتالي، إنّ الوساطات الداخليّة لن تتجاوز في المدى القريب مسألة مُحاولة تقريب وجهات النظر.
إشارة إلى أنّ الحديث عن تقدّم كبير في الملفّ الحُكومي، مع تسجيل بقاء التباين على مسألة تسمية وزيرين مسيحيّين، وكذلك على مسألة وزارتي الداخليّة والعدل، هو غير منطقي، لأنّ هذه العقبات كفيلة وحدها بإفشال أيّ حلّ! وما حصل خلال الأيّام القليلة الماضية في الملفّات القضائيّة، سيدفع الأطراف الَمعنيّة إلى التمسّك أكثر فأكثر بخيار الإستحواذ على وزارة العدل، في خضمّ المعركة التي لم تنته فُصولاً بعد على التشكيلات القضائيّة. وما حصل ويحصل، سيدفع الأطراف المعنيّة إلى التمسّك أكثر بالإستحواذ على وزارة الداخليّة، وهي وزارة أمنيّة حسّاسة جدًا، وذلك بهدف السيطرة على الأمن في لبنان، والإشراف على أيّ محطّة إنتخابيّة في المُستقبل، أكانت بلدية أو نيابيّة، إلخ. وهذه الوزارة تُشكّل أيضًافي النهاية الذراع التنفيذيّة للقرارات القضائيّة.
وليس بسرّ أنّ المعركة الحُكوميّة أعمق من تسمية هنا، ومن وزارة هناك، وهي مُرتبطة بتوازنات سياسيّة قد تحكم لبنان لفترة زمنيّة طويلة، في حال عدم إجراء الإنتخابات الرئاسيّة في موعدها، حيث ستتحوّل الحكومة عندها إلى الحاكم الفعلي،وتحديدًا عند إنتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون، كما حصل مع الحكومة السابقة برئاسة تمّام سلام، عند إنتهاء ولاية الرئيس السابق العماد ميشال سليمان.
في الختام، إنّ حلّ الملفّ الحُكومي مُؤجّل في المرحلة الحالية، والخوف كبير من ألا يأتي الحلّ سوى بعد الإنفجار الشعبيالمُرتقب فور رفع الدعم، بحيث ستُضطرّ كل الأطراف عندها إلى الجلوس مُرغمة على الطاولة للبحث في المخارج المُمكنة، لإحتواء غضب الناس. والأسوأ أنّ سياسة التهرّب من قرار رفع الدعم لا تزال قائمة، عن طريق اللجوء إلى حُلول ظرفيّة تُمثّل في كل مرّة هروبًا إلى الأمام لبضعة أسابيع!.