لم تكن الأنباء التي تحدّثت عن لقاءات سعودية-إيرانية في العراق هي الأولى من نوعها في الإشارة إلى رغبة الدولتين بحل الخلافات بينهما. سبق وقيل أيضاً إنّ رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي سعى منذ وصوله منتصف العام الماضي الى سدّة المسؤولية القيادية، من اجل تقريب المسافات بين الرياض وطهران. لكن مهمة المصالحة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية باتت أشد صعوبة حالياً، أكثر من أي وقت مضى، نتيجة تراكم الخلافات وإحتدام النزاع غير المباشر بين البلدين الركنين في الإقليم. لذا، سيكون العراق قد حقّق نجاحاً بارزاً في حال إستطاع الكاظمي رأب الصدع بين السعوديين والإيرانيين.
وإذا كانت الرياض نفت حدوث لقاء في العراق الشهر الجاري، ولم تعلّق طهران رسمياً بشأن خبر الإجتماع المُشار إليه، الاّ أن المعلومات أكدت وجود تواصل بين السعوديين والإيرانيين عبر العراقيين.
تستحق بغداد التحية الإقليمية، ويستأهل الكاظمي تصفيقاً شعبياً تقديراً لمهامه. لكن لو كانت الولايات المتحدة الأميركية ترغب في تعطيل أي مساع على خط الرياض-طهران لإستطاعت نسف الجهود التصالحية بين العاصمتين. غير أنّ الإندفاعة الأميركية تجاه إعادة إحياء الإتفاق النووي مع إيران ساهم في عدم نسف مشروع التسوية المحتملة بين السعوديين والإيرانيين.
هناك مصلحة متبادلة بين الدولتين لإجراء حوار يُنتج حلولاً بينهما، ويثمر في الإقليم بكل إتجاه: هل يتفرج السعوديون على الإتفاق الإيراني-الأميركي المرتقب في ظل وجود خلاف بين طهران والرياض؟ لا يمكن للسعوديين ولا الإيرانيين أن يستمروا في نبش ملفات التباين وإحياء النزاع الدائر في ساحات الإقليم. آن الأوان لفرض مصالحة تاريخية بينهم. ومن هنا يسعى الكاظمي لتحقيق تسوية سياسية بالتوازي مع إحياء الإتفاق الغربي مع الجمهورية الإسلامية. فهل ينجح العراق بمساعي الجمع، في زمن الفراق الإقليمي؟.
تستطيع دمشق أن تُساند بغداد في مساعيها، بوجود مصلحة سوريّة أيضاً لإتمام الصُلح السعودي-الإيراني المُرتقب. لا بل إن الرئيس السوري بشار الأسد قادر على فتح باب الوفاق بين المملكة العربية والجمهورية الإسلامية لعدة أسباب:
اولاً، هناك مصلحة إيرانية بإعادة دور سوريا الطبيعي الى الإقليم، بعد حرب عسكرية وسياسية واقتصادية، ساندت فيها طهران دمشق طيلة سنوات مضت.
ثانياً، يعرف السعوديون أن إعادة دور سوريا الإقليمي يشاكس الأتراك الذين كانوا اول من سارع إلى التشكيك بالإنتخابات الرئاسية السورية المقبلة، مما يدل على ان المشروع التركي التمددي في سوريا لا يزال قائماً على قاعدة ضرب بنية الدولة السورية.
ثالثاً، أثبتت مسارات السنوات الماضية أن العرب ارتكبوا خطأ تاريخياً بمساندتهم المجموعات المسلحة في سوريا، أو تركهم السوريين يواجهون التمدّد التركي الطامع بأرض العرب. مما يعني وجوب تصحيح الخطأ عبر إعادة إحتضان دمشق.
رابعاً، ان عودة الدور السوري الى الإقليم، يعني اعادة التوازن السياسي والإستراتيجي، بعد اختلال موازين القوى طيلة عقد من الزمن.
خامساً، يقتضي بالرياض ان تحذو حذو ابو ظبي في التعامل مع دمشق، لأن الأسد قادر على رأب الصدع الإيراني-العربي.