جزم الوزير السابق غازي العريضي، أنّ "الفريق الرئاسي لا يريد رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري في رئاسة الحكومة، وأنّ الأخير ارتكب أخطاء كثيرة، في حين أنّ البلد معلَّق على لقاء شخصين"، ورأى أنّ "مفتاح الحلّ للأزمات يبدأ بتشكيل حكومة ترضي المجتمع الدولي وتفتح باب المساعدات، وما يعيق تشكيل هذه الحكومة هي حسابات شخصيّة فئويّة مذهبيّة طائفيّة متداخلة، في حين أنّ العالم لا يبالي بنا، في ظلّ انشغال الدول الكبرى بقضاياها الخاصّة".
ولفت، في حديث إلى صحيفة "القبس" الكويتيّة، إلى أنّ "كلّ الحديث عن ضغوط وعقوبات مفترَضة هو كذبة كبيرة، لا تقدِّم ولا تؤخِّر"، مؤكّدًا أنّ "في نهاية المطاف، ستكون هناك حكومة، ولكن الأهم إنتاج حكومة بعقل بارد والأخد بالاعتبار عامل الوقت الّذي لا يلعب لمصلحتنا، لاسيّما أنّ كلّ المعنيّين بعمليّة التأليف يقرّون بأنّنا دخلنا مرحلة الانهيار". وركّز على "أنّنا إذا كنّا مدركين هذه الحقيقة علينا البحث فورًا في تشكيل حكومة، قبل أن يحصل الانهيار الشامل وتخرج الأمور عن السيطرة. ساعتئذ ستكون الكلفة باهظة. فهل هذا ما يضمره المعنيّون؟".
وذكّر العريضي بأنّ "الّذين يخوضون معارك على كلّ الجبهات ويتراشقون بأقذع أنواع التهم، كانوا شركاء بالأمس. تقاسَموا الإدارة والأمن والدبلوماسيّة والقضاء، ولَفلفوا ملفّات بعضهم. عندما كان اتفاق المصالح ثابتًا، لم نسمع من أحدهم كلمة إصلاح. وأشار إلى أنّ "الفريق الرئاسي كما الحريري يتحمّلان مسؤوليّة الفشل. فدوائر رئاسة الجمهورية لا تريد الحريري لرئاسة الحكومة، حتّى يوم أمس، ورغم المشهد القضائي البشع، كانوا يقولون لا نزال نبحث عن رئيس آخر للحكومة. لكن الحريري بدوره ارتكب من الأخطاء، ما لا يعد في إدارة عمليّة تشكيل الحكومة".
وأوضح أنّ "أحد هذه الأخطاء كان عرض الحريري مجموعة وزارات (الدفاع والداخليّة والعدل والطاقة) على رئيس الجمهوريّة ميشال عون، ثمّ التراجع عن ذلك. أمّا خطأه الثاني فرفضه لقاء رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل"، مشدّدًا على "أنّه ليس بمعرض الدفاع عن أحد، لكن لبنان لا يُحكم بهذه الطريقة. لا يمكن كسر شخص في ظلّ التركيبة الطائفيّة القائمة، فكيف بفريق مطلوب منه منح ثقته للحكومة".
كما بيّن "أنّنا خُضنا كلّ أشكال الحروب، استخدمنا كلّ شيء واستُخدمنا في كلّ شيء، وأخيرًا جلسنا على الطاولة. وهذا ما سيحصل في نهاية المطاف". وعن إمكانيّة لعب "الحزب التقدمي الاشتراكي" دورًا في تقريب المتخاصمين، لاسيّما أنّه أصبح في الفترة الأخيرة على مسافة واحدة من الجهتين، لفت إلى أنّ "رئيس الحزب وليد جنبلاط كان قد طرح صيغةً حكوميّةً من 24 لا ثلث مُعطّلًا فيها لأحد".
وركّز العريضي على أنّ "جنبلاط قدّم طرحًا لتثبيت نقطة انطلاق للخروج من الأزمة، وهو تجاوز كلّ الحدود والاعتبارات حتّى الّتي تمسّ مصالحه الضيّقة، لأنّه لن يبقى مصلحة لأحد إذا انهار البلد بالكامل"، مؤكّدًا أنّ "فريقه السياسي على مسافة واحدة في موضوع تشكيل الحكومة فقط، انطلاقًا من الطرح الّذي قدّمه. أمّا في السياسة العامّة، فنعتبر أنّ الفريقَين يتحمّلان مسؤوليّة الفشل. خطيئتهم الكبرى في ما أنجزوه بالشراكة الّتي بُينت، وكيفيّة ترجمتها على مستوى ادارة الدولة".
وعمّا إذا يمكن التعويل بعد على تدخّل خارجي ما، سواء عبر مبادرة فرنسيّة أو روسيّة أو ضغوط أوروبيّة "مرتَقبة"، جزم أنّ "لا أحد يبالي بلبنان، على الأقل الدول الفاعلة والأساسيّة. أمّا إذا كانت بعض الدول تسعى لاستخدام لبنان لتصفية حسابات غير لبنانيّة، فهذه مسؤوليّتنا كلبنانيّين. الدول الكبرى لديها انشغالات ولا تبالي بمن يكون وزير بيئة أو ثقافة".
وشرح أنّ "الأميركيّين لديهم جدول أولويّات على رأسها الاتفاق النووي، وهم ذاهبون إلى التوافق مع إيران. روسيا لديها مشكلة مع أوكرانيا. وفرنسا منشغلة بوضعها المالي الاقتصادي، وبالاتفاق النووي وعلاقتها مع الأوروبيّين والأميركيّين. كلّ هذه الحركة الخارجيّة، وما يُحكى عن عقوبات وضغوطات ومساومات، لن تؤدّي إلى شيء".
إلى ذلك، رأى العريضي أنّ "العقوبات كذبة كبيرة، سواء أتت من اتحاد أوروبي أو غيره. الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرض عقوبات على إيران هي الأقسى في التاريخ. ماذا كانت النتيجة؟ مزيدًا من الصراع والاستنزاف المالي والاقتصادي في كلّ دول المنطقة. أمّا العقوبات على أفراد فلا تقدِّم ولا تؤخّر إلّا في الحسابات الداخليّة وتسجيل النقاط بعضهم على بعض، ولا مردود لها في اللعبة السياسيّة".
وحول التعويل على التحرّك الروسي أخيرًا وتقاطُر المسؤولين اللبنانيّين تباعًا إلى موسكو، فذكّر بأنّ "الموقف الروسي منذ البداية كان تأييد الحريري لتشكيل حكومة تكنوقراط مقتدرة، تحظى بتأييد القوى السياسيّة والطائفيّة في البلاد. حتّى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا في مرحلة معيّنة لتشكيل حكومة، ولو كانت غير مكتملة المواصفات، أي ما معناه "اذهبوا إلى تشكيل حكومة لأنّ وضعكم لا يحتمل:.
وتعليقًا على دعوة البعض إلى انقلاب عسكري، قال العريضي: "هذا نوع من التخبّط والعشوائيّة في الحياة السياسيّة. الجميع يعلم أنّه لا مكان لهذا الأمر وفق المعادلة السياسيّة القائمة، وهي مجرّد أفكار تُطرح في محاولة للخروج من المأزق أمام هذا الجدار الصلب الّذي بُني بين أحباب الأمس".
وأكّد "أنّنا دخلنا في الفوضى ونحن ذاهبون إلى فوضى أخطر، خاصّةً وأنّ المؤسسات الّتي يمكن أن تتعامل مع هذا الأمر تصرخ وتعاني. الجيش اللبناني بات بحاجة إلى مساعدات غذائيّة، ومشهد القضاء يوحي أنّهم يلعبون لعبة القضاء على القضاء. كل رئيس يستنفر عائلته وطائفته في مشهد يبدو أنّه سيتكرّر، لنصبح في غاب بلا شريعة".