منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، تُطرح الأسئلة حول حقيقة ما يجري على مستوى لبنان، حيث يرى الكثيرون أن البلاد تعاني من أزمة نظام أثبت عدم قدرته على انتاج الحلول.
هذا الواقع ليس هناك من يشك فيه، خصوصاً أن النظام اللبناني لا يقوم على أساس تأمين حقوق المواطنين مقابل واجباتهم، بل على أساس تحالف الجماعات السياسية والطائفية، رغم الخلافات التي تعتري علاقاتها ببعضها البعض. وبالتالي لا وجود لأي فرد، على مستوى الدولة، من خارج المجموعة التي ينتمي إليها.
على الرغم من ذلك، ليس هناك من هو قادر على الجزم بنهاية هذا النظام في وقت قريب، بغض النظر عن الأحلام أو الآمال التي لدى البعض، نظراً إلى أنه قادر على إعادة إنتاج نفسه بطريقة أو بأخرى، لا سيما أن ليس هناك من بديل يلوح في الأفق، بل على العكس من ذلك هو يعمد إلى إعادة تثبيت دعائمه، مستفيداً من الواقعين الاجتماعي والاقتصادي، كما حصل في الماضي في العديد من المحطات التاريخية.
ما تقدم يدفع إلى سؤال جوهري: هل لبنان أمام أزمة نظام أم أزمة توازنات؟.
بغض النظر عن التعديلات التي أدخلت عليه في فترات ماضية، فإن هذا النظام لا يزال هو نفسه القائم منذ تأسيس دولة لبنان الكبير، بينما الذي يتغير، بين مرحلة وأخرى، هو التوازنات لا الأسس التي يقوم عليها. وهذا الأمر يقود إلى الحديث عن أن ما يحصل حالياً هو انتكاسة تعرضت لها الطبقة السياسية، نتيجة الصراعات بين أركانها.
في هذا الاطار، يمكن الاشارة إلى تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون للتأسيس لهذه الأزمة في المرحلة الحديثة منها، نظراً إلى أن بدايتها كانت في العام 2005، أيّ بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، لكن في ذلك الوقت كان الانقسام السياسي يطغى على أي أمر آخر.
بعد انتخاب عون رئيساً، كان من الواضح أن هناك شيئاً ما تبدل على مستوى التوازنات، الأمر الذي دفع البعض إلى الالتحاق بالتسوية، كالحزب "التقدمي الاشتراكي"، في حين فضل البعض الآخر مقاومتها، ولو بطريقة غير مباشرة، كـ"حركة أمل".
بعد السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، تفجّرت هذه التسوية، بما كانت تحمله معها من توازنات، من دون أن تظهر معالم الموازين الجديدة بشكل واضح، حيث الصراع بين أركان الطبقة السياسية لا يزال في ذروته، ما يدفع مختلف الأفرقاء إلى رفع سقف مطالبهم عالياً، بينما هناك من يتحدث عن أزمة وجوديّة بالنسبة إلى بعض القوى.
في هذا الوقت، قد يكون من الطبيعي الحديث عن أن "التيار الوطني الحر" أبرز المعنيين بهذه الأزمة، نظراً إلى المواجهة التي يخوضها مع مختلف الأفرقاء الآخرين، في حين هو يتّجه، يوماً بعد آخر، إلى الإيحاء بالرغبة في الخروج من اطار التركيبة القائمة، بالرغم من وجود مؤسّسه في رئاسة الجمهورية. فالتّيار، من الناحية العملية، هو معني في إعادة تثبيت موقعه، قبل أشهر من انطلاق مرحلة الانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية.
ما تقدم يعني أنه لا يمكن اليوم الحديث عن أزمة نظام، نظراً إلى أنه لا يزال يمتلك القوة التي تسمح له بإعادة انتاج نفسه، كما أنه لا يمكن الحديث عن أزمة حكومية من الممكن معالجتها عبر تنازلات بسيطة، والأصح الحديث عن أزمة توازنات تنتظر الشكل الذي ستكون عليها وطاغية على مستوى المنطقة.
حتى ذلك الوقت، ستبرز الكثير من الطروحات على المستوى السياسي، في حين قد تشهد البلاد بعض التوترات، المضبوطة أو غير المضبوطة، تحت عناوين اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو طائفية، لتعود الأمور بعد ذلك إلى الوضوح ضمن لعبة سوف تبقى تتكرر بين حين وآخر، وتشمل دخول لاعبين جدد أو خروج آخرين من المنظومة أو تعزيز حضور البعض على حساب الآخر.