لم يكن خبر الرد الدفاعي السوري على الصواريخ الإسرائيلية جديداً. في كل مرّة كانت دمشق تردّ على الإعتداءات الإسرائيلية، وتتحدّث البيانات السورية عن "الرد على العدوان" مع تحقيق نتائج عملية في إطار عمليات الدفاع. صارت تلك المعادلة قائمة منذ إنطلاق الأزمة السورية ودخول الإسرائيليين على خط دعم المجموعات المسلحة بشكل مباشر جنوب سوريا، وغير مباشر في مختلف ساحات القتال. ومن هنا رسمت قواعد الإشتباك نفسها على هذا الأساس. كانت تدّعي تل أبيب أنّ عملياتها تأتي في إطار حماية أمن إسرائيل، من دون ان تعترف بأنّ العدوان على سوريا يأتي لإستهداف منظومات دفاعية جوّية تحديداً، على مساحة الجمهورية العربية السورية. لطالما صفّقت مجموعات مسلحة للإسرائيليين، وشجّعت تل أبيب على ضرب البنية العسكرية السورية، لكن دمشق إستطاعت أن تصمد منذ عام 2011، إلى أن حلّت المفاجأة في تل أبيب خلال الساعات الماضية: صاروخ سوري يصل إلى قرب مفاعل ديمونة؟.
هي أكثر من رسالة سورية:
اولاً، لم تستطع سنوات الحرب ضد سوريا من كسر قدراتها العسكرية ليس الدفاعية فحسب، بل الهجومية بإعتبار أنّ وصول الصاروخ إلى قرب ديمونا يؤكد قدرة دمشق على الهجوم الصاروخي.
ثانياً، إعتقدت تل أبيب أنها شلّت قدرات الجيش السوري بعد إستهداف منظوماته الدفاعية طيلة سنوات عشر مضت، عبر هجوم المجموعات المسلحة من جهة، والإستهدافات الإسرائيلية ضد البنى العسكرية السورية من جهة ثانية. لكنّ الإعتقاد الإسرائيلي لم يكن في مكانه.
ثالثاً، إذا كان الصاروخ السوري أرض-أرض يحمل مئتي كلغ متفجرات، كما جاء في صيغة خبر إسرائيلي، أو هو صاروخ أرض-جو تطايرت شظاياه في الجو، كما جاء في خبر إسرائيلي آخر ايضاً، فإن الإسرائيليين أصيبوا بإرباك أظهرته الصحف، رغم منع الرقابة العسكرية في تل أبيب وسائل الاعلام من نشر معلومات او أخبار بشأن الصاروخ السوري.
رابعاً، يؤكد مسار الصاروخ الذي قطع مسافة اكثر من مئة وخمسين كلم داخل مساحة السيطرة الإسرائيلية، أن دمشق نجحت في تحقيق خطوة لم يسبقها أحدٌ عليها في الإقليم.
خامساً، أكّدت تلك المسافة أنّ شبكة الإنذار الإسرائيلية عجزت عن رصد الصاروخ، مما يثبت عجز إسرائيل في هذا السياق، ويُرجّح أن يكون الصاروخ السوري مزوّداً بأجهزة تمنع رصد الصاروخ. أو أن الإسرائيليين عجزوا عن صدّه، وهنا قيل إنّ اصوات انفجارات عدة سُمعت قبل أنفجار الصاروخ.
بجميع الأحوال، فإنّ الحدث يشكّل تحولاً مهماً حمله معه الصاروخ الى واشنطن وتل أبيب:
أولاً، تستطيع دمشق ومعها الحلفاء فرض قواعد إشتباك جديدة مع إسرائيل: توسيع الإستهداف يعني توسيع الرد.
ثانياً، في حال أرادت تل أبيب ممارسة أيّ تصعيد ضد سوريا أو حلفائها، فهذا يعني أنّ الرد سيكون عميقاً وموجعاً للإسرائيليين.
ثالثاً، يحمل الصاروخ ايضاً رسالة ذات أبعاد إيرانية: تعطيل الإتفاق المرتقب بين واشنطن وطهران من خلال المشاكسة الإسرائيلية، لن يمر من دون رد "محور المقاومة" على إسرائيل.
رابعاً، ولّى زمن تفوق تل أبيب في الإقليم، وعلى الإسرائيليين والاميركيين قراءة المتغيرات.