تختصر معركة الدفاع عن القُدس والمُقدسات الإسلامية والمسيحية، جوهر الصراع مع العدو الإسرائيلي.
تُشكل حماية المدينة المُقدسة إصراراً على فلسطينيتها، وأنها عاصمة دولة فلسطين المُستقلة، ودفاعاً عن قضايا الأُمة العربية والإسلامية والمسيحية وأحرار العالم.
تُدرك القيادة الفلسطينية أن الاحتلال يسعى إلى تكريس يهودية المدينة المُقدسة، بأنها عاصمة الدولة اليهودية، واستكمال تنفيذ بُنود "صفقة القرن" التي أُجهضت بفعل ثبات موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادة الفلسطينية، برفضها قبل أن يُعلن عنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وأن المُحتل يسعى إلى تكريس ذلك حتى بعد رحيل ترامب.
انطلاقاً من ذلك، يخوض الفلسطينيون معركة الدفاع عن المدينة المُقدسة على أكثر من صعيد، سياسياً ودبلوماسياً وميدانياً.
لذلك، فإن الإصرار هو على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية، بالتتالي، وأن تشمل القُدس الشرقية ترشيحاً وانتخاباً ودعايةً، لأن التنازل واللجوء إلى صيغ بديلة، يعني التخلي عن القُدس، وهو أمر غير مقبول، حيث يُقدم المقدسيون والفلسطينيون الغالي والنفيس من أجل تثبيت فلسطينية المدينة وهويتها.
ميدانياً، ارتفعت وتيرة المُواجهات بين المقدسيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي وقُطعان المُستوطنين، حيث تحولت منطقة باب العامود والحارات القديمة في البلدة ومُحيط المسجد الأقصى، إلى ساحة مُواجهة حقيقية، استبسل فيها المقدسيون بالتصدي بصدورهم العارية، لبطش اعتداءات شرطة الاحتلال الأعنف مُنذ سنوات عدة، ما أدى إلى إصابة حوالى 110 مقدسيين واعتقال 50 آخرين في ليلة ساخنة، بدأت بعد تصديهم للاحتلال ومُستوطنيه الذين حاولوا الاعتداء عليهم لحظة خروجهم من صلاة التراويح واستمرت المُواجهة حتى صلاة فجر أمس.
وقد طارد الشبان الفلسطينيون جنود الاحتلال غير آبهين بجبروته والأسلحة المُدجج بها، ومُمارسة القمع وإطلاق القنابل المُسيلة للدموع وورشهم بالمياه الكيميائية العادمة، حيث تصدوا للمُستوطنين الإرهابيين، الذين حاولوا الاعتداء عليهم تحت حماية شرطة الاحتلال.
أمس، تحدى نحو 60 ألف مقدسي، قوات الاحتلال، ووصلوا إلى المسجد الأقصى المُبارك وأدوا صلاة الجمعة الثانية من رمضان، على الرغم من إجراءات الاحتلال لمُحاولة منع وإعاقة وصولهم، من خلال تشديد الإجراءات العسكرية في مُحيط مدينة القُدس المُحتلة، بإقامة حواجز عسكرية حديدية، منعت دخول الآلاف من أداء الصلاة.
كما شددت قُوات الاحتلال من إجراءات حواجزها على جميع مداخل أبواب البلدة القديمة من القُدس المُحتلة، قامت خلالها بالتدقيق بهويات المارّة، قبل أن تسمح لهم بالدخول إلى المسجد عبر بوابات مُحددة.
وأشار مُفتي القدس والديار الفلسطينية خطيب المسجد الأقصى المبارك الشيخ محمد حسين إلى إن "أبناء شعبنا وصلوا للمسجد الأقصى على الرغم كل إجراءات الاحتلال التي ترفضها كل الديانات السماوية، وكل الأعراف الدولية والإنسانية وكل القوانين الدولية".
وتساءل: ما هذا التماهي والتواطؤ من قبل جنود الاحتلال الرسميين مع قطعان المُستوطنين وشذاذ المتطرفين الذين يعتدون على أبناء شعبنا؟ من الصائمين والراكعين والساجدين والعابدين الذين يُؤمون المسجد الأقصى المبارك لأداء الفرائض واستماع دروس العلم وتلاوة القرآن وإعمار المسجد الأقصى المُبارك؟.
وختم المُفتي حسين: "إن الاحتلال يغيظه توجه جموع المقدسيين والفلسطينيين للصلاة في المسجد الأقصى، ويغيظه أن يراكم تملؤون شوارع القدس وأزقتها وحواريها، يغيظه وهو يراكم تقولون للقاصي والداني، إنها القدس أمانة الفاروق عمر ومُحررة صلاح الدين، وهي المدينة التي تحمل تاريخ وحضارة المُسلمين، وهي التي تُشد إليها الرحال وإلى صنويها مكة والمدينة".
وليل أمس، تجددت المواجهات بين الشبان المقدسيين وجنود الاحتلال في محيط المسجد الأقصى، بعد صلاة التراويح، حيث سقط عدد من الجرحى الفلسطينيين، وأصيب آخرون بحالات اختناق.
ونفذ العشرات من المصلين، مسيرة حاشدة في باحة قبة الصخرة، منددين باعتداءات الاحتلال على القدس.
وردد المشاركون شعارات منددة بالاحتلال، مطالبين بتوفير الحماية لهم بعد اعتقال واصابة المئات خلال جرائم الاحتلال ومستوطنيه في الأسبوعين الأخيرين بالقدس.
وقد لقي اعتداء الاحتلال على المقدسيين إدانة وشجباً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً.
وطالبت حركة "فتح" بـ"موقف عربي وإسلامي عاجل للدفاع عن القدس ومُقدساتها الإسلامية والمسيحية، خاصة في ظل هذه الهجمة الإسرائيلية الشرسة من قبل الاحتلال ومُستوطنيه الهادفة إلى السيطرة على المدينة المُقدسة وتصفية الوجود الفلسطيني المسيحي والإسلامي فيها".
وفي أول موقف أميركي على ما يجري في القدس، أعلنت سفارة الولايات المُتحدة الأميركية في القدس "أنها قلقة جراء ما يحدث في مدينة القدس"، داعيةً "جميع الأطراف لضبط النفس وإعادة الهدوء".
وقالت في بيان لها: "نُعبر عن قلقنا الشديد إزاء أحداث العنف في القدس خلال الأيام العديدة الماضية، نأمل من جميع الأصوات المسؤولة أن تُعزز إنهاء التحريض، والعودة إلى الهدوء، واحترام سلامة وكرامة الجميع في القدس".