لا يُمكن فصل ما يُحضَّر للوجود الفلسطيني في لبنان عن المشهد المأزوم على الساحة اللبنانية، في سياق المُخطّط للمنطقة بعد إفشال "صفقة القرن" ومُندرجاتها، وأهمّها شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وإيجاد حلول بديلة.
من هنا يأتي استدراج الفلسطيني إلى قلب المشهد، لتُطرَح التساؤلات عن توقيت وأهداف ودوافع ذلك؟
* في التوقيت:
بعد فشل "صفقة القرن"، وموقف القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الحاسم، والهدوء الذي شهدته المُخيّمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان على مدى سنوات عدّة، وعدم التدخّل أو الانجرار إلى أي مربّع توتيري في لبنان، وهذا ما أعرب عنه، وفي مُناسبات عدّة، مُختلف القيادات اللبنانية الرسمية والأمنية.
على الرغم من كثرة المحطّات والأحداث التي نُفِّذَتْ بهدف تحقيق مُخطّط الاصطدام، كانت للفلسطينيين مواقف واضحة ليست مُحايدة فقط، بل في معظم الأحيان لعبوا دوراً مُميّزاً في الحفاظ على الاستقرار والأمن وفي مجالات عدّة.
بعد الإنجاز التاريخي الذي حقّقه الرئيس ياسر عرفات بالدخول إلى الأُمم المُتّحدة بتاريخ 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1974، وانتزاع مقعد لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية" - بصفة مُراقب في الأُمم المُتّحدة - وهو ما أزعج الإدارة الأميركية، كانت جريمة اغتيال رئيس "التنظيم الشعبي الناصري" النائب السابق معروف سعد خلال قيادته تظاهرة في صيدا بتاريخ 26 شباط/فبراير 1975، لكن فشل الزج بالفلسطيني إلى الصراع، فكان 13 نيسان/إبريل 1975، اندلاع الحرب العبثية في لبنان، باستهداف بوسطة عين الرمانة.
* في الأهداف:
الزج بالفلسطيني في قلب المشهد اللبناني، خاصة أنّ اختيار توقيت اعتصام ما يُسمّى "الهيئة الشبابية لفلسطينيي سوريا"، ليس بريئاً باختيار هذا اليوم 13 نيسان/إبريل، عشيّة الذكرى الأليمة للبنان، وللإيحاء بأنّ الفلسطيني هو مَنْ كان سبب شرارة الحرب في ذلك اليوم، علماً بأنّه كان الضحية.
وإنْ كان عنوان التحرّك الحماية الدولية - وإيجاد ممرّات آمنة، إنّما الهدف الرئيسي هو شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
من هنا، جاءت الدعوات المشبوهة التي وجّهها المُحامي جهاد ذبيان، تحت عنوان أنّه مُستشارٌ قانوني لـ"الهيئة الشبابية الفلسطينية للجوء الإنساني" - الإدارة المركزية في لبنان، والمُطالبة بتوقيع اللاجئين الفلسطينيين، خاصة النازحين من سوريا على تفويض غير قابل للنقض أو الرجوع، يُخوّله القيام بكل الإجراءات القانونية لدى أي قضاء دولي للاستحصال على تعويضات عن التملّك للأفراد وعائلاتهم، وفقاً للبند 11 من القرار 194 الصادر عن الأُمم المُتّحدة، وتأمين اللجوء الإنساني في أي مكان جغرافي أو تاريخي.
* في الدوافع:
تنفيذ المُخطّط والمطلوب دماء فلسطينية، والتركيز على أنْ يكون ذلك في قلب العاصمة اللبنانية، بيروت، لخطف الأضواء عن الملفات المُتأزّمة اللبنانية.
سيل الدماء الفلسطينية يُمكن أنْ ينسحب على أماكن الانتشار الفلسطيني في المُخيّمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان، ما يُطلِق شرارة وقوع أحداث أمنية بين حركة "فتح" وفصائل "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" وجهات تسعى للتلطّي تحت اسم "الهيئة الشبابية لفلسطينيي سوريا".
وقد وجّهت دعوات من قِبل "الهيئة الشبابية" للاعتصام يوم الأربعاء في 31 آذار/مارس 2021، أمام مقر سفارة دولة فلسطين في بيروت، شارك فيه بضع نساء وأطفال.
قيل بأنّهم حصلوا على مُوافقة مُحافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي.
لكن توسّعت الدائرة لاستهداف السفارة بتحرّك أوسع، فوجّهت "الهيئة الشبابية" دعوة للاعتصام يوم الاثنين في 12 نيسان/إبريل 2021.
انطلاقاً من "اللهم اشهد أنّني قد بلغت"، جرى إبلاغ الجهات الرسمية والقضائية والأمنية اللبنانية بخطورة ما يجري وما يُخطّط له، لكن لم يتم منع هذا التحرّك، على الرغم من التقارير الأمنية التي وُضِعَتْ من قِبل الأجهزة الأمنية اللبنانية كافة، مُحذّرة من مُخطّط يهدف إلى إراقة الدماء، وهو أمر لا يُمكن أنْ يتحمّل نتيجته أحد!
* التساؤلات التي تُطرح؟
- لماذا السماح بمثل هذه التجمّعات، على الرغم من المخاطر الأمنية لذلك؟
- أيضاً التجمّع يُؤدّي إلى تجاوز الإجراءات اللازمة تجنّباً لجائحة "كورونا"؟
- كيف يتم السماح بالاعتصام أمام مقر سفارة مُعترف بها وتتمتّع بحصانة، ومن دون إبلاغها من قِبل الجهات الأمنية بذلك؟
- لماذا لم يُأخذ بالنصائح الأمنية؟
- ما هو المُخطّط الذي كان ينوي المُعتصمون تنفيذه؟
- نصب خيمة اعتصام أمام مقر السفارة الفلسطينية في بيروت.
- دخول بعض الشبان والنساء إلى حرم السفارة والاعتصام بداخلها.
- افتعال مشاكل، وقد عُثِرَ بحوزة بعض المُشاركين على سكاكين وجنازير حديدية.
- كما عُثِرَ في جزادين بعض النساء على مبالغ مالية بين دولارات أميركية وعملة ورقية لبنانية، كانت ستُدفع إلى المُشاركين في الاعتصام.
- مَنْ أمَّنْ ذلك، مع دفع تكاليف الباصات المُكيّفة التي وصلت من مناطق عدّة تقل المُشاركين؟
ما أنْ وصل المُشاركون حتى فوجئوا بالحشد الكبير، التي قُدِّرَ بالآلاف، الذي لبّى دعوة حركة "فتح" وفصائل "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" واللجان والهيئات الشعبية للمُشاركة في اعتصام دعماً للشرعية الفلسطينية، وتصدياً للتحرّكات المشبوهة التي تقودها مجموعة من المُتآمرين على القضية الفلسطينية، بهدف شطب حق العودة.
حصلت بعض الإشكالات، ما أدّى إلى فرط جمع المُشاركين من "الهيئة الشبابية" وفرارهم من المكان.
وواصل الداعمون للشرعية الفلسطينية الاعتصام يُحيطون بسفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور ومُمثّلي الفصائل، وهم يرفعون الأعلام الفلسطينية ورايات حركة "فتح" والفصائل المُشاركة، ويُردّدون الهتافات الداعمة للرئيس "أبو مازن" والمُتمسّكة بحق العودة.
كما شارك وفد من النازحين الفلسطينيين في سوريا بلقاء عُقِدَ في "قاعة الرئيس ياسر عرفات" في سفارة دولة فلسطين، تأكيداً على رفضهم لما تقوم به "الهيئة الشبابية" وغيرها من التحرّكات الهادفة إلى شطب حق عودة اللاجئين، مُؤكدين التمسّك بهذا الحق، ودعمهم للقيادة الشرعية الفلسطينية.
وقد التقى السفير دبور بمُدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وتمَّ خلال اللقاء بحث الأوضاع الفلسطينية، خاصة المُحاولات الأخيرة الجارية من بعض الجهات المشبوهة، الهادفة إلى إنهاء حق العودة استمراراً لمشروع ما سُمِّيَ بـ"صفقة القرن"، الذي ما زال يُراود طموحات وأجندات البعض.
وأكد اللواء إبراهيم على "حق الشعب الفلسطيني بمُمارسة حقه بتقرير مصيره بنفسه وفق ما أقرته القوانين الدولية ذات الصلة".
كما التقى السفير دبور، بحضور أمين سر حركة "فتح" وفصائل "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" في لبنان فتحي أبو العردات، برئيس مجلس النوّاب نبيه بري.
لكن يبدو أنّ المطلوب هو إراقة دماء فلسطينية من خلال التحريض على تنفيذ تحرّكات استغلالاً للظروف الاقتصادية الصعبة، وإقامة اعتصامات بذرائع مُتعدّدة، والهدف هو شطب حق العودة وإنهاء قضية اللاجئين.
وكشفت مصادر مُطلعة لـ"اللـواء"، عن أنّ "الهيئة الشبابية لفلسطيني سوريا" وجّهت دعوة للاعتصام أمام المقر الرئيسي لإدارة وكالة "الأونروا" في بئر حسن - بيروت، وأنّ المُخطّط هو الدخول إلى المقر واحتلاله وتنفيذ اعتصام دائم فيه.
هذا المُخطّط يعني توتيراً للأجواء، انطلاقاً من العاصمة بيروت، باستهداف مقر دولي، وبالتركيز عليه بعد إعادة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استئناف تمويل وكالة "الأونروا" مُنتصف شهر نيسان الجاري بمُساهمة قدرُها 150 مليون دولار أميركي، بعدما كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد اتخذ إجراءات تعسُّفية ضد
الفلسطينيين بوقف المُساعدات للسلطة الفلسطينية، وأيضاً وقف المُساهمة إلى وكالة "الأونروا" البالغة حوالى 365 مليون دولار أميركي (31 آب/أغسطس 2018).
حلقة جديدة من مُخطّط فتنة، جرى إجهاضها، حيث يبدو أنّ هناك مَنْ يُمعِنْ الدفع به ضمن مشروع يرمي إلى إعادة رسم خريطة المنطقة باستهداف القضية الفلسطينية ولبنان دوراً ووجوداً.