ما يجري في مدينة القُدس ليس حدثاً عابراً، ولا يُمكن أن يمُر مرور الكرام، ويختلف عن سابقاته.
الفلسطينيون هُم في انتفاضة مُستمرة مُتواصلة لا تُهزم ولا تنهار، ومعركة الدفاع التي يخوضها المقدسيون عن المسجد الأقصى والأماكن المُقدسة، الإسلامية والمسيحية، عنوانها الأساسي، تثبيت عُروبة المدينة في مُواجهة مُحاولات تكريس يهوديتها، وفق ما أعلن عن ذلك الكيان الإسرائيلي، واعترف به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
لقد أحرجت هبّة القُدس الرمضانية، العالم أجمع، وفي الطليعة سُلطات الاحتلال، التي لم تتمكن من وقف تحرُكات واعتصامات وتظاهُرات المقدسيين المُتواصلة مُنذ 12 يوماً، على الرغم من كل الإجراءات القمعية، اعتداءً واعتقالاً وتضييقاً، ورشٍ بقنابل الغاز السام والمُسيل للدموع والمياه العادمة، فضلاً عن التضييق الاقتصادي والمعيشي وسرقة الأراضي والعقارات، وزرع البؤر الاستيطانية في الأحياء العربية.
استطلاع المقدسيين فرض السيادة الوطنية على باب العمود، مسرح الاشتباكات الدائرة والمُتسعة، ورفعوا العلم الفلسطيني في عاصمة دولة فلسطين.
لم يتوقف المقدسيون فقط عند الهتافات، بل انطلقوا نحو التصدي لجُنود الاحتلال وإزالة الحواجز الحديدية التي وضعها في باب العمود، مُستبقين قرار الاحتلال إزالة السواتر الحديديّة.
ولاحقاً، اقتحمت قوات الاحتلال ساحة باب العمود، واعتدت على الشبان المُحتفلين، بذريعة رفع الأعلام الفلسطينية، قبل أن تُنزلها.
ووصلت الجرأة بأن أقدم شابان مقدسيان على مُحاولة السيطرة على سلاح أحد جُنود الاحتلال في باب الخليل في المدينة المُقدسة، قبل اعتقالهما.
يُشير ذلك إلى ارتفاع مُستوى حماس الشباب، واستعدادهم لتقديم كل يُمكن دفاعاً عن المدينة المُقدسة.
أراد الاحتلال تنغيص ليالي شهر رمضان على المقدسيين، بمنعهم من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء الصلوات فيه، لكنهم تحدوا إجراءاته ووصلوا إلى المسجد المُبارك وأحيوا الصلوات فيه.
تعمد الاحتلال حماية المُستوطنين بتنظيم تحرُكات استفزازية للمقدسيين، خاصة في باب العمود وباب المصرارة عند مدخل المسجد المُبارك، حيث اعتادوا على التجمُع، لكن رد الشباب المقدسي كان بالتصدي للمُستوطنين، وشُرطة الاحتلال، على الرغم مما سُجل بإصابة أكثر من 100 جريح ومُصاب باعتداءات الاحتلال ضد النساء والرجال والشيوخ والأطفال والشُبان وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين هبّوا هبّة واحدة.
مُجدداً يُفشل المقدسيون مُخطط الاحتلال الرامي إلى تكريس التقسيم المكاني في المسجد الأقصى، بعد الزمان، حيث يُدنس غُلاة المُستوطنين باحات المسجد المُبارك، بحماية شُرطة الاحتلال، ويُمارسون طُقوسهم التلموذية، في وقت يُضيق فيه الاحتلال على المقدسيين الوصول إلى المجسد الأقصى لأداء الصلوات والاعتكاف في شهر رمضان المُبارك.
ما يجري من مُواجهات عنيفة في القُدس، قد تكون شرارةً لتصعيد من قطاع غزة ضد المدن والمُستوطنات المُحتلة، بإطلاق صواريخ المُقاومة، ما يُؤدي إلى مأزق جديد مما يُواجهه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بفشله بتشكيل الحكومة، مع دخول مرحلة الأسبوع الرابع والأخير من التفويض له.
يقف الاحتلال عاجزاً أمام صُمود المقدسيين، ولا يُمكنه المُساومة وتكرار ما جرى في العام 2017، بسحب البوابات الإلكترونية التي نصبها على أبواب المسجد الأقصى مُقابل وقف تحرُكات المقدسيين.
في غضون ذلك، فإن معركة إجراء الانتخابات الفلسطينية في القُدس ما زالت مُستمرة، حيث تُواصل القيادة الفلسطينية اتصالاتها بالمُجتمع الدولي للضغط على الكيان الإسرائيلي لمنع إعاقة إجراء الانتخابات في المدينة المُقُدسة، ترشيحاً ودعايةً وانتخاباً، ومن دون ذلك، لن تكون هناك انتخابات، وفق ما أكدت عليه اللجنة المركزية لحركة «فتح» في اجتماعها الذي عقدته برئاسة الرئيس محمود عباس، بمقر الرئاسة في رام الله، مساء أمس الأول (الأحد).
وأكد الرئيس الفلسطيني أن «القُدس خط أحمر لن نقبل المساس بها، ونُحيي أهلنا في القُدس على صُمودهم بوجه المُخططات الإسرائيلية الهادفة الى السيطرة على المدينة المقُدسة. ونُؤكد لن نقبل بأي حال من الأحوال القُبول بإجراء الانتخابات العامة دون حُضور القُدس وأهلها، ترشيحاً ودعايةً وانتخاباً حسب الاتفاقات المُوقعة، لذلك نُطالب المُجتمع الدولي بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للالتزام بالاتفاقات المُوقعة بيننا، فيما يخُص العملية الانتخابية، وتحديداً أن تكون الترشيحات والدعاية والانتخابات داخل المدينة المُقدسة».
إلى ذلك، وجه الاحتلال الإسرائيلي، رسالة إنذار وتهديد إلى حركة «حماس» مفادها أنه «إذا استمر إطلاق القذائف الصاروخية، فسترد إسرائيل في ساعات الليل بهجوم واسع وحاد على قطاع غزة».
وجرى نقل الرسالة، أمس، عبر المبعوث الأُممي للشرق الأوسط ثور وينسلاند، إلى كبار مسؤولي «حماس» والقيادة الفلسطينية في رام الله.
وأجرى المجلس الوزاري الإسرائيلي السياسي والأمني المصغر «الكابينيت»، أمس، مُشاورات لبحث الوضع الأمني والتصعيد على جبهة قطاع غزة والتوتر في القدس والأحداث عند باب العمود.
جاء عقد هذا الاجتماع بناءً لطلب وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس.
وسبق الإعلان عن انعقاد «الكابينيت»، قرار جيش الاحتلال إغلاق مساحة الصيد في قطاع غزة بشكل كامل، بدءاً من الساعة 6 من صباح أمس (الاثنين)، وحتى إشعار آخر، بذريعة إطلاق مقذوفين من القطاع.
وأوعز وزير الأمن غانتس ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، باستمرار جهوزية جيش الاحتلال لسيناريوهات مختلفة مقابل قطاع غزة، إلى جانب الاستعداد للتصعيد.
هذا، واعتقلت قوات الاحتلال، مساء 3 مقدسين بعد الاعتداء عليهم قرب باب حطة أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك.
وافاد شهود عيان بأن قوات الاحتلال اعتقلت الشبان الثلاثة، وهم: احمد الحزينة، ووسام السد، واحمد الرجبي، وذلك بالتزامن مع الاعتداء على القاطنين قرب باب حطة قبيل موعد الإفطار، حيث تم اغلاقه ومنع وصول الصائمين القادمين للإفطار في المسجد الاقصى من الدخول عبره.
إلى ذلك، استطاع شبان مقدسيون، افشال محاولة مستوطن إسرائيلي اختطاف الطفل ليث عليان (12 عاما) من سكان العيسوية، بالقدس المحتلة، قرب مستوطنة «التلة الفرنسية» المقامة على أراضي البلدة، حيث لاذ المستوطن بالفرار، فور مطاردة مركبته من قبل الشبان.