في الوقت الذي كانت فيه مختلف الأنظار تتجه إلى الموقف السعودي من الملف اللبناني، على ضوء التطورات التي ترافق ملفّ التفاوض الأميركي الإيراني، والمشاورات السعودية الإيرانية في العراق، برزت في الساعات الماضية قضيتان تتعلقان بالعلاقات السعودية-اللبنانية: الأولى هي قرار الرياض وقف إستيراد الخضار والفواكه من لبنان، على خلفية ضبط شحنة رمان تحتوي حبوب كبتاغون، أما الثانية فهي إختفاء الملحن اللبناني سمير صفير، حيث سرّبت سريعاً معلومات عن إعتقاله في المملكة.
في القضيتين لا يمكن فصل المسار السياسي، نظراً إلى أن شحنة الكبتاغون ليست الأولى التي يتمّ توقيفها، كما أنّ السعودية لم تذهب إلى أخذ أيّ إجراء مماثل مع دول أخرى كانت مصدراً لشحنات تحتوي على المخدرات، في حين أن إعتقال صفير، لا يمكن أن يكون إلا قراراً سياسياً بسبب مواقفه المعلنة، لا سيما أنّه في زيارة ماضية تعرّض إلى هجوم واسع على مواقع التواصل الإجتماعي، وبالتالي يمكن الحديث عن مسار تصعيدي من جانب الرياض فيما يتعلّق بالتعامل مع الملف اللبناني.
في هذا السياق، كان لهذين التطورين مدار إنقسام سياسي على الساحة اللبنانية، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى دورها على مستوى الملفّ الحكومي، حيث هناك من يؤكد أنها تضع فيتوات على تمثيل "حزب الله"، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ينتظر الضوء الأخضر منها للذهاب إلى تشكيل الحكومة، أما في المقلب الآخر هناك من يرى أن العقد في مكان آخر لا علاقة للرياض به، وبالتالي لا يمكن تحميلها مسؤولية ما يحصل في الملف الحكومي اللبناني، خصوصاً أنها لم تطلق أي موقف علني بهذا الشأن.
في جميع الأحوال، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الدور السعودي في الملف الحكومي لا يمكن إنكاره إطلاقًا، نظراً إلى أن الرياض من اللاعبين الخارجيين المؤثرين في هذه الساحة، الأمر الذي تُرجم بالتسريبات التي تحدثت عن أن الملف اللبناني كان حاضراً في المشاورات التي عقدتها مع طهران في بغداد، بالإضافة إلى الملف اليمني الذي يقلقها، وبالتالي باب المساومة قد يكون فتح على هذا الصعيد، خصوصاً أن في لبنان من كان يتحدث في الماضي عن أن تشكيل الحكومة ينتظر الإنتهاء من معركة مأرب.
إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر أن ملفي الكبتاغون وصفير من الممكن أن يشكلا تعقيدات إضافية على الملف الحكومي، لا سيما أن تداعياتهما كانت واضحة في الساعات الماضية، سواء من خلال الإجراء السعودي الذي فُسّر على أساس أنّه تصعيد سياسي هدفه زيادة الضغوط الإقتصادية على لبنان، أو من خلال الحملات المتضامنة مع صفير التي بدأت مع إنطلاق الحديث عن إعتقاله، حيث ذهب الكثيرون إلى التذكير بما حصل مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في العام 2017، عندما أُجبر على الإستقالة من الرياض، بينما أعرب البعض عن مخاوفه على حياته، نظراً إلى ما حصل في وقت سابق مع الصحافي جمال خاشقجي.
وفي حين تشير المصادر نفسها إلى أن ملفّ الكبتاغون دخل مرحلة المعالجة ضمن الأطر القانونية والدبلوماسية والأمنية، خصوصاً بعد الإجتماع الذي عقد في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون، تلفت إلى أن قضية صفير من الممكن أن تأخذ طابعاً تصعيدياً، لا سيما إذا لم يتم الكشف عن حقيقة ما حصل معه في وقت قريب، مع العلم أنه بحسب المعلومات كان يزور الرياض بناء على دعوة وجّهت له من قبل أحد المسؤولين هناك، الأمر الذي يفتح الباب أمام إحتمال تحوّلها إلى قضية سياسية من العيار الثقيل في المرحلة المقبلة.
في المحصّلة، هذه الملفّات، بما يرافقها من حملات اعلاميّة وسياسيّة، من أدوات الضغط السياسي الذي تزداد حدّته في المرحلة الراهنة، نظراً إلى أن هناك من يعتبر أن موعد التسوية يقترب والجميع يريد تحسين أوراق قوّته قبل بدء مرحلة المساومات.