بين كلمتي الانفجار والانفراج فارق بسيط في ترتيب الاحرف، ولكن الاساس يكمن في النتيجة التي تختلف بشكل جذري، اذ تعتبر كارثية في الكلمة الاولى وانقاذية في الكلمة الثانية. لبنان يعيش لحظات هذا الوضع، وينتظر حصيلة ما ستسفر عنه الجولات الخارجية وانعكاسها على الجولات الداخلية، ليعرف ما اذا كان سينتظر الانفجار او سينعم بالانفراج. تياران يتصارعان لجلاء الموقف، الاول يعتبر ان الانفجار حاصل لا محال وان العد العكسي له بدأ فعلياً، فيما الثاني يصرّ على ان هذا الكلام تهويلي فقط والهدف منه تسريع الوتيرة للوصول الى الحلول تحت وقع الضغط الترهيبي لئلا تصل الامور الى حدود الانفجار الفعلي. ويقرأ اصحاب التيار الثاني كل الملفات التي تتراكم بسرعة في لبنان وآخرها ملف تهريب المخدرات من هذا المنظار، لعلمه ان الضغوط هي اليوم الطريق الوحيد لتسريع الخطوات، في ظلّ عدم القدرة على فرض عقوبات على اشخاص محدّدين، والعجز عن فرض حل ّدولي قبل الانتهاء من ملفّات اخرى اكثر اهمية واولوية بالنسبة الى الخارج. اما اللبنانيون فحدّد معظمهم شهر ايار على انه الشهر الحاسم لتوضيح الصورة الضبابية التي تسيطر على لبنان منذ نحو سنتين، ويتوقعون فعلياً ان تكون الامور نحو الاسوأ بسبب كل ما يتم التداول به من معلومات سوداء، وما يعاينونه من مصائب في ملفّات عديدة تزداد يوماً بعد يوم من دون اي مؤشرات على ايجاد الحلول لها. ولا يزال هؤلاء يراهنون على ان الخارج بامكانه حين تتوافر المعطيات وتحصل التسويات، ان يغيّر مسار لبنان فياقل من 24 ساعة ويضعه على السكّة الصحيحة لاستعادة انفاسه المسلوبة منه. وهذا الرهان، كما يصوّره مؤيدو التيار الثاني، ينبع من مفتاح وحيد يقلق الدول وهو: الفوضى وما سيتبعها من تداعيات مأساويّة على دول المنطقة من جهّة مع رعاتها الدوليين، وعلى دول القارة الاوروبية من جهة ثانية بشكل مباشر. حين تعقدت الامور بين تركيا واوروبا، هدّد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بفتح الحدود امام النازحين السوريين للوصول الى القارة العجوز، وهذا بحدّ ذاته كان السبب الرئيسي في تخفيض التوتر و"ترقيع" الازمة بطريقة ترضي الطرفين، مع حفظ ماء الوجه للاوروبيين. واليوم، يجد الاوروبيون انفسهم امام خطر مماثل مع فارق اساسي وهو انه في حال الفتان التام في لبنان، لن يكون هناك من يسمح او يمنع فتح او اغلاق الحدود، وسيضاف الى النازحين السوريين، افواج كبيرة من النازحين اللبنانيين ايضاً، سيتكفّلون باغراق الدول الاوروبية القريبة والبعيدة، بأعدادهم. اضافة الى ذلك، هناك نتائج سلبيّة جداً بالنسبة الى روسيا واسرائيل والولايات المتحدة وطبعاً اوروبا، اذا ما اندلعت حرب داخليّة في لبنان، لانّها كفيلة بتهديم كل ما بناه الروس على مدى اكثر من عقد من الزمن في سوريا، وكل ما راهنت عليه اسرائيل لجهة الاستقرار وحصد فوائد اتفاقات التطبيع مع العرب، وكل ما وضعه الاميركيون من خطط لاستعادة حضورهم ودورهم في المنطقة وفق تسويات جديدة تضمن لهم حصصاً وازنة من دون وجوب التدخل عسكرياً، او تكبّد خسائر كبيرة ستضع الادارة الجديدة في موقف حرج امام المواطنين الاميركيين.
كل هذه الرهانات قد تزول اذا ما اخذ الخارج وقته لفرض ما يريده في لبنان، وترك الحريّة للاعبين اللبنانيين في تحديد شروطهم على بعض. ويرى مؤيدو تيار الانفراج ان بوادر الانفجار ستكون من خلال تزامن تكاثر الازمات الاقتصادية والمعيشية ورفع الدعم عن مواد اساسية كالخبز والبنزين ووقف الرواتب للموظفين والعسكريين، ونزول انصار الاحزاب والتيارات السياسية الى الشارع لتعبث بالممتلكات وتخلق الفوضى العارمة لفترة من الزمن يعمد بعدها الخارج الى التدخل الفوري لفرض الحلول دون ايّ تفاوض او تشاور.