سلّط كشف السُلطات السُعوديّة عن 2,4 مليون حبّة مُخدّرة مُخبّأة داخل شُحنة رمّان وصلت من لبنان، كوجهة نهائيّة للشحن، علمًا أنّ مصدرها الأساسي سوريا، وكذلك كشف السُلطات اليونانيّة عن 4 أطنان من الحشيش في آلات لصنع الحلوى مُتجهة من لبنان إلى سلوفاكيا، الضوء مُجدّدًا على مُشكلة شبكات الإتجار بالمُخدرات على أنواعها، والتي يُعاني منها لبنان منذ عُقود طويلة. فهل من أمل بوقف هذه الظاهرة؟.
على الرغم من الجُهود المُضنية للعديد من الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة، ومن التضحيات التي قدّمتها في مُواجهة تُجار المُخدرات، فإنّ وقف هذه الآفة والقضاء على تجارة المُخدرات في لبنان، يتطلّب أكثر من مُطاردة تاجر هنا ومُروّج هناك ومن كشف شبكة تهريب هنالك! فالمسألة بحاجة إلى قرار سياسي-أمني من أعلى المراجع أوّلاً، وإلى غطاء مَعنوي من الفاعليات والقوى السياسيّة والحزبيّة المُختلفة ثانيًا، وإلى إعطاء "ضوء أخضر" للقوى الأمنيّة للتحرّك ضُد كبار التُجّار المَعروفين بالإسم، وضُدّ مصانع المَمنوعات المَعروفة الموقع الجغرافي بأغلبيّتها، ثالثًا. وطالما كل ما سبق لم يتحقّق، فإنّ لبنان سيبقى مُصنّفًا بين الدول المُنتجة والمُصدّرة للمخدرات وللممنوعات على أنواعها!.
والمُضحك المُبكي أنّ بعض تُجّار المُخدّرات في لبنان، معروفون بأسمائهم الحقيقيّة الكاملة، وليس بالألقاب التي يعتمدونها، وهم يتوزّعون على أحياء وبلدات مَعروفة، وكل منهم يُغطّي منطقة جغرافية معيّنة بأنشطته المَشبوهة. والعديد من هؤلاء الخارجين على القانون، يقدّمون مساعدات ماديّة لمواطنين فُقراء في مناطق نُفوذهم، لكسب التأييد الشعبي تحت وطأة الفقر والعوز المُتنامية. وهم يزرعون المنطقة التي يتحصّنون فيها بمُخبرين لهم، يُراقبون الطرقات، ويُسارعون إلى إطلاق التحذيرات بمُجرّد الإستشعار بأي حركة أمنيّة في المنطقة، بحيث يتوارى المَطلوبون عن الأنظار بسرعة، من خلال خطط فرار ومخابئ مُحضّرة سلفًا. وهذا التحذير المُسبق أفشل في السابق العديد من المُداهمات ومحاولات التوقيف التي قامت بها القوى الأمنيّة الرسميّة. أكثر من ذلك، يتحصّن بعض هؤلاء المَطلوبين في مناطق خارجة عمليًا على سُلطة الدولة، وبالتالي حتى لو جرى تحضير قُوّة أمنيّة كبيرة للدخول بالقُوّة،يتمّ في كلّ مرّة الإشتباك مع القوى الأمنيّة الرسميّة، وإطلاق النار عليها لفترة زمنيّة تكون أكثر من كافية لفرار المَطلوبين من منازلهم!.
وما حصل أخيرًا من محاولات تهريب نحو السُعودية واليونان، ليست بجديدة، حيث أنّه كل بضعة أشهر يتمّ الكشف عن مُحاولات مُماثلة، علمًا أنّ حركة التهريب ناشطة على أكثر من خط، والأمثلة على ذلك عديدة. وللتذكير فإنّ السلطات الإيطاليّة كانت ضبطت في نهاية كانون الأوّل من العام 2020 الماضي، 15 طنًا من مُخدّر الأمفيتامين(1).وفي الثالث من شباط الماضي ضبطت الجمارك اللبنانيّة في مرفأ بيروت خمسة ملايين حبّة من مخدر الكبتاغون الذي يُعتبر بديلًا زهيد الثمن من مادة الكوكايين المُخدّرة(2). تذكير أيضًا أنّ السُلطات الأمنيّة في لبنان كانت أحبطت في نيسان من العام 2020 الماضي، أكبر عمليّة تهريب مُخدّرات في تاريخ لبنان المُعاصر، حيث ضبطت 25 طُنًّا من حشيشة الكيف(3)، وذلك خلال نقلها إلى مرفأ بيروت تمهيدًا لشحنها إلى الخارج، وتحديدًا إلى دول عدّة في القارة الافريقيّة.
إشارة إلى أنّه عندما يُتخذ القرار من المراجع العُليا، القوى الأمنيّة المعنيّة قادرة على التنفيذ، بشرط حُصولها على الغطاء المَعنوي من قوى الأمر الواقع، أكانت سياسيّة أم حزبيّة، إلخ. وهذا ما حصل تمامًا عند تصفية أحد كبار تُجّار المخدرات في تشرين الأوّل من العام 2018، ويُدعى علي زيد إسماعيل(4). وقد قتل هذا الأخير مع سبعة من مرافقيه، في إشتباك مُسلّح عنيف مع قُوّة من الجيش اللبناني في بلدة الحمودية البقاعية في شمال شرق لبنان، علمًا أنّ الإشتباك إنتهى أيضًا بتوقيف 41 شخصًا للتحقيق. والمُفارقة أنّ إسماعيل كان مطلوبًا بما مجموعه 2941 مُلاحقة قضائيّة، من بلاغات بحث وتحرّ ومُذكّرات توقيف وخلاصات أحكام، الأمر الذي يدلّ على حجم العجز السائد في التعامل مع هؤلاء المُجرمين، قبل تحوّلهم إلى "أساطير" في الإجرام والتهريب والإتجار بالمخدرات والمَمنوعات! وليس بسرّ أن لوائح الأجهزة الأمنيّة الرسميّة مليئة بأسماء مَطلوبين وفارين من العدالة، منها أسماء "صغيرة" ومنها أسماء "كبيرة" من وزن نوح زعيتر المطلوب بدوره بمئات مُذكرات التوقيف، والصادرة بحقّه أحكام عدّةمنذ سنوات عدّة، منها حُكم عن المحكمة العسكريّة في لبنان قضى بإنزال عُقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة به.
في الختام، إنّ مكافحة ظاهرة الإتجار بالمُخدرات في لبنان لا تكون بتوقيف مروّج صغير هنا أو هناك، ولا بكشف شُحنة يتيمة كل بضعة أسابيع أو أشهر. فالمطلوب رفع الغطاء عن هؤلاء المَطلوبين، وتحديدًا من قبل "حزب الله" الذي عليه عدم السماح لهم بالإختباء تحت عباءة "المقاومة"، وعندها فقط تكون القوى الأمنيّة الرسميّة قادرة على مُداهمتهم وإعتقالهم وتقديمهم للمُحاكمة، وإلا فإنّ تجارة المُخدرات ستبقى مفتوحة على مصراعيها في لبنان، مع كل ما تُلحقه بنا من أضرار عمليّة ومَعنويّة. وهذا يعني أنّ ما يُحكى عن مُوافقة ضُمنيّة وعن إستفادة ماديّة من قبل قوى الأمر الواقع هو صحيح، لأنّه بكل بساطة تجارة المخدرات في لبنان... هي عبارة عن قصة "ضوء أخضر" لم تنته فُصولاً بعد!.