بات التناغم بين أطراف داخلية لبنانية والدول الاستعمارية الغربية علنيا، من دون أيّ مواربة، لفرض حكومة يُقصى عنها حزب الله وحلفاؤه، واتضح على نحو لا لبس فيه أنّ السبب الأساسي الذي يحول دون تشكيل الحكومة إنما يكمن في تواطؤ أطراف 14 آذار مع الضغوط الأميركية الغربية لاحداث انقلاب على المعادلة السياسية، عبر التفرّد بالسيطرة على السلطة التنفيذية لتنفيذ الشروط الأميركية المطلوبة.. على الرغم من انّ هذه الأطراف لا تملك الأغلبية النيابية، وهي بحاجة إلى تأييد هذه الأغلبية للحصول على الثقة في البرلمان..
وتتأكد يوماً بعد يوم الأسباب الحقيقية لتعطيل تشكيل حكومة لبنانية يشارك فيها حزب الله وحلفاؤه، والسعي الى فرض حكومة تلبّي مصالح الغرب وسياساته الاستعمارية في لبنان، والتي تخدم أيضاً كيان العدو الصهيوني..
ويظهر ذلك من خلال ثلاثة دلائل حصلت خلال الفترة الأخيرة تؤكد هذا التوجه الغربي الذي تترجمه قوى لبنانية تابعة لغرب..
اولاً، إعلان الرئيس المكلف سعد الحريري من الفاتيكان، على اثر لقائه البابا فرنسيس، «أنّ هناك مشاكل خارجية تتعلق برئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وحلفائه، لكن الأكيد أنّ هناك فريقاً أساسياً في لبنان يعطل تشكيل الحكومة، والفاتيكان يعلم جيداً من يعطل تشكيل الحكومة في لبنان»، مضيفاً «نحن نريد اقتصاداً حراً مع كلّ دول العالم، فيما هناك فريق لا يريد العمل والتواصل إلا مع جهة واحدة».
هذا الكلام يعني:
1 ـ انّ من يعطل تشكيل الحكومة إنما هو وجود فيتو أميركي غربي على مشاركة التيار الوطني وحليفه حزب الله في الحكومة الجديدة.
2 ـ انّ الرئيس المكلف لا يعارض هذا الفيتو بل يلتزم ويستقوي به من خلال إصراره على تأليف حكومة ينفرد في تسمية وزرائها من الاختصاصيين، وهي الصيغة التي تطالب بها واشنطن منذ تفجّر احتجاجات 17 تشرين 2019، وتقديم الرئيس الحريري استقالة حكومته استجابه للتوجه الأميركي لإفساح المجال أمام ولادة حكومة على الهوى الأميركي تحت ضغط الاحتجاجات والضغط المالي الاقتصادي..
3 ـ انّ الرئيس الحريري إنما هو المسؤول عن عدم تأليف الحكومة، لأنه يستجيب للضغط الأميركي الغربي، بل يعمل على محاولة توطيف هذا الضغط للتفرّد بتشكيل حكومة برئاسته بما يمكنه من استعادة نفوذه المتراجع شعبياً وسياسياً..
ثانياً، إقدام المملكة العربية السعودية، عبر سفيرها في بيروت وليد البخاري، على الربط بين دعم الجيش اللبناني والموقف من حزب الله بالقول: «إنّ المملكة لا تمانع درس مساعدة الجيش بأشكال مختلفة؛ بينها إعادة تفعيل العمل بجزء من الهِبة التي كانت مقرّرة أيام الملك عبد الله»، وألغيت بعد اندلاع حرب اليمن، «بالإضافة الى توفير دعم مادي مباشر لتغذية صندوق دعم العسكريين، لكن المشكلة التي تعترض المساعدة هي في كون الجيش لا يزال «يعجّ» بأنصار حزب الله الذين يتدخّلون في عمل المؤسسة العسكرية خلافاً للأوامر».
هذا الموقف السعودي إنما يؤكد انّ المملكة تتماهى مع الهدف الأميركي الساعي إلى إثارة الفتنة بين الجيش وحزب الله المقاوم في سياق خطة للنيل من المعادلة الماسية التي حرّرت الأرض وحمت ولا تزال تحمي لبنان من العدوانية والأطماع الصهيونية.. كما أنّ ربط المساعدة بمثل هذا المطلب التعجيزي إنما يندرج في سياق القول لجميع اللبنانيين بأنه لا مساعدات طالما لم ترضخوا للإملاءات الأميركية بإقصاء وعزل حزب الله وحلفائه ومنعهم من المشاركة في الحكومة.. وانّ المملكة منخرطة في هذه الخطة الأميركية من خلال منع الحريري من تشكيل حكومة توافقية تنسجم مع دستور الطائف..
ثالثاً، دعوة كتلة نواب القوات اللبنانية من بكركي، التيار الوطني الحر لاستقالة النواب المسيحيّين لإسقاط الميثاقية المسيحية عن المجلس النيابي تمهيداً لفرض إجراء انتخابات مبكرة رهاناً بأنها ستؤدي نتائجها إلى إضعاف التيار الوطني وتبديل الأغلبية لمصلحة فريق 14 آذار في سياق الخطة الأميركية لتنفيذ الانقلاب السياسي ضدّ حزب الله المقاوم وحلفائه، وقد دعم موقف القوات الوزير السابق سجعان قزي المقرب من بكركي، بالقول: «انّ الفاتيكان ومعه بكركي يحمّلان فريقاً مسؤولية الفشل الحكومي، هو الفريق الذي يريد حكومة ترضي محور تقوده إيران، وهو ما يرفضه الحريري»، داعياً الحريري إلى «عدم التركيز على المواجهة مع رئيس الجمهورية كأنها سنية مارونية، لأنّ الصراع في لبنان سني شيعي، ويجب عدم إخفاء ذلك»، كما قال…
هذه الدلائل، تؤكد ما يلي:
1 ـ انّ أزمة تشكيل الحكومة سببها ارتهان وتبعية فريق 14 آذار للولايات المتحدة والدول الغربية، وقبوله تغليب مصالح هذه الدول على المصلحة الوطنية اللبنانية، بالتالي كشف لبنان أمام التدخل الخارجي ورهن حلّ الأزمة بموافقة الدول المذكورة وخصوصاً أميركا..
2 ـ انّ السبب في تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية والمعيشية إنما يعود إلى التعطيل المتعمّد الذي تمارسه هذه القوى بالاتفاق مع واشنطن وحلفائها، ومحاولة استغلال تفاقم الأزمة ومنع الحلول لها لفرض حكومة موالية للغرب تنفذ طلبات صندوق النقد الدولي لإخضاع لبنان، والموافقة على تحديد الحدود البحرية وفق الأطماع الصهيونية..
3 ـ انّ تكليف الرئيس الحريري كان فخاً لأجل التحكم بعملية تشكيل الحكومة وإبقاء لبنان تحت ضغط الأزمة لإخضاعه للشروط الأميركية.. وبالتالي القول للبنانيين… أمامكم خيار من اثنين: إما القبول بحكومة أميركية الهوى، أو مواجهة تفاقم الأزمة والانهيار المتواصل في قيمة العملة ومستوى المعيشة..
انها حرب مالية اقتصادية أميركية على لبنان تنفذ عبر قوى محلية قبلت لعب دور خدمة الأجنبي على حساب شعبها.. فيما قوى الأغلبية أثبتت بدورها عجزها عن الحكم، وإيجاد الحلول التي تخرج اللبنانيين من دائرة الأزمة والضغط الأميركي الغربي وأدواته.. وهكذا بات لبنان في حالة أزمة مستمرة، في ظلّ عدم توافر عوامل ذاتية للتغيير، الأمر الذي يجعل الخروج من هذه الأزمة ينتظر التسويات الإقليمية، ووصول واشنطن وحلفائها إلى اليأس من إمكانية تنفيذ انقلاب سياسي على غرار انقلاب عام 2005، والتسليم مجدّداً بالعودة الى التسوية والتعايس في إطار حكومة توافقية، بين الفريق الأميركي والفريق الوطني.. وهي الصيغة التي جرت محاولة الإطاحة بها، بعد اندلاع احتجاجات 17 تشرين واستقالة حكومة الحريري، بهدف تغيير المعادلة السياسية والنيابية لمصلحة الفريق الموالي لواشنط