لا يزال المفهوم العام في ما خص القرار السعودي الاخير المتخذ بشأن قضية "كبتاغون الرمّان"، يصب في خانة المبالغة في اعتماد مثل هذه التدابيرالقاسية، خصوصاً في ظل الازمة اللبنانية الراهنة، وعلماً انه وفق الرؤية السعودية، فإن "الخطر" يطال كل الدول وليس فقط السعودية، فيما اتخذت الرياض وحدها قرار المقاطعة، لتوحي بأنّها الوحيدة المستهدفة وتبرر بالتالي قراراتها التي لا يحتاج اثنان الى تأكيد انها سياسية الطابع بلباس المخدرات والامن.
ولكن، على الرغم من كل ذلك، لا بد من الاعتراف بأن هذه "الخضّة" السعودية، حرّكت المياه الراكدة في لبنان على اكثر من صعيد، وبالتحديد امنياً وسياسياً. فعلى الصعيد الامني، ظهرت تحركات مكثفة ومتواصلة بهدف تضييق الخناق على حركة التهريب، وفي مقدّمها المخدّرات، فيما استفاق المسؤولون على وجوب تفعيل قرار وضع اجهزة "سكانر" على المداخل الحدودية اللبنانية، بعد ان كان هذا القرار يغطّ في سبات عميق. اما على الصعيد السياسي، فقد استغل الكثيرون في الداخل والخارج، الاستفاقة اللبنانية لاعطاء زخم للجهود المبذولة لحلحلة الازمة السياسية. وفي حين يستمرّ الكثير من المتابعين في اعتبار ما يحصل مجرد "حركة بلا بركة" في انتظار ما ستسفر عنه السياسة الخارجية للدول الكبرى حول لبنان بشكل خاص، الا انهم يعترفون بأن المياة الراكدة تحركت بالفعل، ويرون ان الانهاك بدأ يصيب الاطراف اللبنانية التي باتت محرجة، وهذا ما دفع بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى التحرك مجدداً على خط بعبدا-بيت الوسط، فيما وجد النائب جبران باسيل نفسه على موعد مع اجتماعات بالمسؤولين الروس في موسكو، كبديل عن التدخلات الغربية وتحديداً الاميركية (لا يمكن لواشنطن اجراء مثل هذه اللقاءات مع باسيل لسببين: الاول انها منهمكة بأمور اخرى بعيدة نسبياً عن لبنان، والثاني انهلا يزال على لائحة العقوبات الاميركية). وبين هذا وذاك، لا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري الغائب الاكبر عن الساحة المحلية، وهو امر زاد من قناعة متابعي الاوضاع اللبنانية بأنّ المعركة الحقيقة هي بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، غير انّهما يخوضانها بلاعبين بديلين هما رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري وباسيل. ولهذا السبب تحديداً، يرى المتابعون انفسهم ان كل التحركات المحلية الحاصلة ستكون مرحلية فقط ومن دون فاعليّة طالما انّ الشرخ بين الرجلين الاساسيين باق على حاله، لا بل يزيد يوماً بعد يوم، وآخر عوامل هذا التوتر مسألة ترسيم الحدود وطريقة تعاطي كل منهما مع هذا الملف من باب "تسجيل النقاط" على الآخر، ومحاولة احراجه امام الدول وامام اللبنانيين.
صحيح ان الحل ليس داخليا، ولكن لا يمكن لاحد انينكر ان المشكلة تخاض باللاعبين اللبنانيين، ومن المهم مراقبة تصرفات هؤلاء للبناء على معطيات معيّنة ومطابقة ما يقومون به مع المعلومات التي تتوافر من هنا وهناك، لتكون التحليلات اقرب ما يمكن الى الواقع، دون ان يعني ذلك حتماً امتلاك كل الصورة.
وعليه، من المنصف القول ان القرارات السعودية حرّكت المسؤولين اللبنانيين على اكثر من صعيد، ولو ان الهدف من تلك القرارات لم يكن على هذا المستوى ولا بهذا الهدف، ويبقى الامل في ان تعكس هذه الاستفاقة معطيات دولية جدية في تقريب عناصر الحلّمع شهر ايار، وهو الموعد الذي تم تحديده لوقوف لبنان امام مفترق الانفجار او الانفراج، وهو امر متصل بالكثير من الملفات والمواضيع الاقليمية والدولية، وقد انطلق السباق، فمن الذي سيصل اولاً، وكيف ستكون الصورة الكاملة التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر؟.