يوم الأربعاء في السادس والعشرين من أيّار، سيتوجّه الناخبون في سوريا إلى صناديق الإقتراع لإنتخاب رئيس للجمهوريّة. وعلى الرغم من إرتفاع عدد المُرشّحين-وبشكل غير مَسبوق، إلى 51 مُرشّحًا، فإنّ النتيبجة مَحسومة من اليوم، وهي تتمثّل بفوز الرئيس الحالي بشّار الأسد لولاية جديدة من سبع سنوات. ويُمكن القول إنّ روسيا وإيران نجحتا بفرض الأسد رئيسًا مرّة أخرى، بحكم إنتصارهما الميداني على الأرض السُوريّة، ضاربين عرض الحائط كل المُطالبات السُوريّة والأجنبيّة المُغايرة. والسؤال الذي يفرض نفسه، هو: ماذا سيحصل نتيجة ذلك، على مُستوى مُختلف الملفّات الناجمة من الحرب السُوريّة؟.
بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ روسيا مُستفيدة من تجديد ولاية الرئيس الأسد، كونها عزّزت نُفوذها الإقليمي في المنطقة، من خلال قواعد وإتفاقات عسكريّة وأمنيّة طويلة الأمد مع النظام السُوري، وحقّقت مكاسب إقتصاديّة مُهمّة أيضًا من خلال توقيع عشرات الإتفاقات العسكريّة والإقتصاديّة والتجاريّة مع سوريا، ناهيك عن أنّ بقاء النظام السُوري بات ورقة تفاوض سياسي بيد موسكو في علاقاتها الدَوليّة. وبالإنتقال إلى إيران، فهي عزّزت بدورها نُفوذها الإقليمي، من خلال دعمها العسكري والمادي لنظام الأسد، حيث بنت قواعد عسكريّة لها على الأراضي السُوريّة، ونقلت عشرات آلاف المُقاتلين المُوالين لها إلى سوريا، وسلّحتهم بآلاف الصواريخ، الأمر الذي جعلها تُمسك بورقة ضغط أمنيّة مهمّة جدًا بوجه إسرائيل، وحسّن بالتالي من موقع طهران التفاوضي مع الولايات المتحدة الأميركيّة ومع العالم الغربي ككلّ. وعمليًا، باتت سُوريا حاليًا مُقسومة إلى ثلاثة مناطق نُفوذ دَولي، إحداها تعود إلى تركيا وهي خارج سيطرة الجيش السُوري بطبيعة الحال، في حين أنّ المنطقتين الأخريين تعودان إلى كل من روسيا وإيران حيث تلتقيان على دعم نظام الأسد ضُمن منطقة جغرافيّة مُشتركة، ولوّ أنّ مصالحهما من دعمه مُختلفة.
بالعودة إلى الإنتخابات الرئاسيّة السُوريّة المُرتقبة، تؤكّد التقارير الغربيّة كافة أنّها ستكون شكليّة، حيث سيفوز فيها الرئيس السُوري الحالي بشّار الأسد بكل سُهولة، نتيجة غياب أيّ مرشّح جدّي من بين اللائحة الطويلة من المُرشّحين المُنافسين، وبفعل مُقاطعة شرائح واسعة من السُوريّين لهذه الإنتخابات. تذكير أنّ حُكم حزب البعث في سوريا مُستمر منذ إنقلاب العام 1963، وحُكم آل "الأسد" بالتحديد، مُستمرّ منذ خمسة عُقود، وتحديدًا منذ العام 1971مع الرئيس السابق حافظ الأسد الذي بقي في السُلطة حتى وفاته في العام 2000، لتنتقل بعدها السُلطة إلى نجله بشّار الذي تمّ تجديد ولايته في العام 2007، ثم في العام 2014، علمًا أنّه من المُتوقّع أن تُجدّد هذه الولاية مرّة ثالثةنهاية أيّار، وذلك لسبع سنوات إضافيّة تنتهي في العام 2028!.
وبما أنّ هذه الإنتخابات الرئاسيّة السُوريّة تجري خارج مظلّة التوافق الدَولي، وبغطاء من روسيا وإيران، ومن بعض الدول المُناهضة لواشنطن على المُستوى العالمي والمُؤيّدة لمحور "المُقاومة والمُمانعة" على المُستوى الإقليمي، فإنّهاستكون عبارة عن فرض أمر واقع جديد، بحكم توازنات القوى التي أفرزتها الحرب في سوريا. وبالتالي، المُقاطعة العربيّة-الغربيّة للنظام السُوري مُرشّحة للإستمرار، ولو مع تسجيل بعض الإستثناءات وبعض الليونة المُتفرّقة هنا أو هناك، بحكم التعامل مع الأمر الواقع. كما أنّ رفض تمويل أيّ عمليّات إعادة إعمار في سوريا ستبقى قائمة، مع ما يعنيه هذا الأمر من تمديد لواقع بقاء اللاجئين والنازحين السُوريّين في الدول التي تستضيفهم، ومنها لبنان، على الرغم من المُحاولات اللبنانيّة الرسميّة وحتى الحزبيّة لتحريك هذا الملف لدى موسكو والعالم الغربي ككلّ. وبما أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة لا تُعطي الملف السُوري الأولويّة في هذه المرحلة، فإنّ بقاء الواقع المَفروض من قبل كل من موسكو وطهران وأنقره سيستمرّ في المدى المَنظور. وليس بسرّ أنّ الملفّ السُوري يُستخدم من قبل إيران، لتحسين شُروطها في مُفاوضاتها مع الغرب بشأن ملفّها النووي، بينما تضغط إسرائيل من خلال حليفتها الولايات المتحدة الأميركيّة وكذلك من خلال علاقاتها مع روسيا، لأنّ يكون ملف الإنتشار الأمني الإيراني في سوريا - إن المُباشر من خلال وحدات وخبراء من الحرس الثوريّ أو غير المُباشر من خلال فصائل مُسلّحة مُواليّة لطهران، محطّ مُساومة في أي إتفاق مُقبل، لجهة تراجع القوى الإيرانيّة عن الحدود مع إسرائيل ومع هضبة الجولان السوريّة المُحتلّة، ولجهة مُعالجة مُشكلة قواعد إطلاق الصواريخ التي بنتها إيران في سوريا.
في الختام، وبعيدًا عن المصالح المُتضاربة لمُختلف الدول المَعنيّة في الملفّ السُوري، فإنّ ما يهمّنا في لبنان هو مسألة عودة النازحين السُوريّين إلى بلادهم، وتمديد الأزمة في سوريا من خلال تمديد ولاية الرئيس الأسد، لا يخدم هذه القضيّة، كونه يُبعد الحُلول والتسويات، ويُؤجّلها إلى مرحلة مُقبلة! وبالتالي، قد يكون من الضروري على السُلطة في لبنان، التعامل مع ملفّالنازحين من منظار جديد، يتجاوز مُجرّد رفع الصوت هنا أو هناك، حتى لا يتحوّل إلى أمر واقع قائم بفعل المُماطلة في التوصّل إلى تسوية دَوليّة في سوريا، مع ما يعنيه هذا الأمر من خطر تكرار السيناريو الذي واجهه لبنان مع اللاجئين الفلسطينيّين، بعد أن دخلت القضيّة الفلسطينيّة في غياهب المُماطلةوالصراعات الدَوليّة، فبقيت من دون حلّ حتى تاريخه، وبقي اللاجئون في لبنان، وتكاثروا فيه!.