تكتسب زيارة رأس الدبلوماسية الفرنسية جان ايف لودريان إلى بيروت يوم غد أهمية بالغة كونها تأتي في ظل انسداد داخلي شبه كامل في أفق تأليف الحكومة، وعدم اكتراث دولي بكل ما يصيب لبنان من أزمات.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تبددت المناخات الداخلية والإقليمية التي كانت تحول دون إنجاز الاستحقاق الحكومي؟ وهل وجدت باريس ثغرة مفتوحة ما في جدار هذه الازمة تريد النفاذ منها في اتجاه مساعدة لبنان على الخروج من أزماته وعلى هذا الأساس أوفدت وزير خارجيتها إلى بيروت للقاء المسؤولين والبحث معهم في إمكانية الدفع بالمبادرة الفرنسية التي مضى على اطلاقها في قصر الصنوبر بوجود الرئيس ايمانويل ماكرون زهاء تسعة أشهر؟
لا معطيات حاسمة في هذا الموضوع، والمشهد اللبناني ما زال تحت وطأة ضباب كثيف، حيث ان الأزمات المتشعبة تعصف به يميناً ويساراً وبالطول والعرض باعثة حالة من الارتباك والارباك لدى المسؤولين اللبنانيين الذين يتخبطون في رحلة البحث عن الحلول قبل سقوط لبنان في الهاوية، وانطلاقاًِ من هذا التشخيص غير المريح للواقع اللبناني، فإن مهمة الوزير الفرنسي ذات طابع مفصلي حيث يصعب التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع في حال غادر الضيف الفرنسي من دون تحقيق تقدّم في المهمة التي جاء من أجلها الى بيروت.
زيارة لودريان ستحدد شكل العلاقة بين فرنسا ولبنان في المرحلة المقبلة
بات من المؤكد أن الوزير لودريان لا يحمل في جعبته أي مبادرة أو أفكار جديدة في ما خص الوضع اللبناني، وأذناه ستكونان صاغيتين لما سيسمعه من المسؤولين اللبنانيين، وما هي رؤيتهم في سبيل حل الوضع المأزوم، وفي المقابل فإن لودريان الذي كان مطلع الشهر الفائت قد وصف المسؤولين في لبنان بـ«العميان» وتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، فيما استمروا على مواقفهم من الحلول المطروحة سيبدي الكثير من العتب واللوم الفرنسيين على الطريقة التي تعاملوا بها مع كل المساعي التي أطلقت في اتجاه حل الأزمة في لبنان، وخصوصاً عدم الايفاء بالالتزامات التي قطعوها أمام الرئيس ماكرون في الاجتماع الذي عقد في قصر الصنوبر بعيد انفجار المرفأ في الرابع من آب الماضي. ولن يتوقف لودريان بحسب ما يسرب من معلومات شحيحة عن الزيارة عند هذا الحد، لا بل انه سيكون حاسماً واضحاً بالنسبة للاجراءات التي سيتخدها الاتحاد الأوروبي بحق من يعتقدون أنهم يقفون حجر عثر أمام تأليف الحكومة، وستكون خلاصة كلامه، إما تأليف حكومة والشروع في الإصلاحات أو فرض رزمة من العقوبات التي ربما تكون قاسية بحق عدد من المسؤولين اللبنانيين من مختلف الأطياف، كون أن فرنسا التي التزمت امام المجتمع الدولي وتحديداً أمام واشنطن بالعمل على إخراج لبنان مما هو واقع فيه، لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه من تعتبرهم أفشلوا مبادرتها وأوصلوا لبنان الصديق الى حافة الانهيار، وما زالوا يديرون الأذن الطرشاء لكل التحذيرات الإقليمية والدولية والنصائح التي أسديت لهم في سبيل، تبادل التنازلات والذهاب في اتجاه التفاهم على توليفة حكومية من روحية المبادرة الفرنسية التي ما تزال المبادرة الوحيدة الصالحة للحل بالرغم من الكلام الكثير من موتها.
وعلى أهمية العودة الفرنسية إلى لبنان للدفع بمبادرة ماكرون إلى الامام بوصفها حبل النجاة الوحيد المتبقي لإنقاذ لبنان، فإن هناك خشية وقلق من الفشل مجدداً، وبالتالي حمل قصر الاليزيه على اتخاذ القرار الذي تأجل اتخاذه عدّة مرات والمتعلق بفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين تبدأ بمنع السفر، ولا تنتهي بوضع اليد على العقارات والاموال الموجودة لهم على مساحة الاتحاد الأوروبي.
وفي رأي مصادر سياسية متابعة أن لبنان هو الآن في مرحلة حرجة، وبالتالي فإن الوقت لم يعد ملائماً للترف السياسي، وأن المطلوب التجاوب مع الجهود والمساعي الدولية لا سيما الفرنسية وبلورة حلول سريعة للأزمة الموجودة قبل الدخول في المحظور، لا سيما وأن المنطقة مقبلة على تطورات نوعية، إن على المستوى الايراني- الأميركي، أو السعودي - الإيراني، وبالتأكيد إن لهذه التطورات ان ذهبت في الاتجاه الايجابي أو السلبي تأثيرات كبيرة على الواقع اللبناني، وفي حال بقي البيت الداخلي على تبعثره الحالي، فإن لبنان سيخسر أي فرصة قادمة للانقاذ، لأنه لو اجتمع العالم بأسره لمساعدة اللبنانيين على الخروج من أزمتهم، وبقوا هم على هذا النحو في التعاطي مع الحلول المطروحة فإنه لن يكون هناك أي فرصة نجاح للنجاة من السقوط المدوّي في المجهول.
وتعرب هذه المصادر عن أن زيارة الوزير لودريان لن تكون كسابقاتها من الزيارات إلى بيروت، فهذه الزيارة ستكون حاسمة، وسترسم صورة جديدة لكيفية التعاطي الفرنسي مع لبنان في المرحلة المقبلة، فإن نجحت هذه الزيارة وانتهت بالتفاهم على بلورة حلول لتشكيل الحكومة فإن باريس لن تغير من سياستها الداعمة للبنان، لا بل إنما ستزيد من رفع منسوب هذا الدعم، وان هي فشلت فإن فرنسا حكماً ستقفل نافذتها التي كانت دائماً على مر السنين مفتوحة باتجاه لبنان، وستقول للبنانيين ما مفاده اننا قمنا بكل ما يتوجب علينا وأكثر في سبيل مساعدتكم على الخروج من النفق، وأنتم أدرتم لنا الأذن الطرشاء وتأبون إلا أن تسقطوا في الهاوية، وستزيد على ذلك بتشديد الخناق على من تعتبرهم كانوا السبب في فشل مبادرتهم وكف يد المساعدة عن لبنان.
وتعتبر المصادر ان الزيارة الفرنسية اليوم تشكّل نقطة الضوء في ظلام لبنان الدامس، فإما يهتدي أهل السياسة بهديها للوصول إلى برّ الأمان، وإلا فإن جهنم بالانتظار.