بسم الله الرَّحمن الرّحيم والحمد لله ربّ العالمين وصلَّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آل بيته الطّيبين الطّاهرين وأصحابه المنتجبين.
يقول الله تعالى في مُحكَم كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان صدق الله العظيم.
عندما نتكلّم عن شهر رمضان يعني نتكلم عن شهر العروج نحو الله تعالى والعودة بالروح إلى مراتب الإخلاص بالعمل، حيث أنَّ هذه النفس تكون في ضيافة خالقها، إنّه الشهر الذي دعانا فيه الله لنكون على مأدبة ضيافته {هو شهرٌ دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله}، فعلينا أن نُحَسِّن ردّ الاستضافة وألاّ يكون مفهوم شهر رمضان عندنا هو الإمتناع عن الطعام والشراب والمفطّرات فقط، بل الوصول إلى فهم فلسفة الصيام، فهناك أبعاد وقيم أوسع وأهم من الجوع والعطش، على الصائم أن يُدركها من خلال صَومِه لكي يُحقِّق الهدف الذي أراده الله من هذه العبادة الراقية والتي تجعلنا نعيش معنى الحرية الحقيقية .
إنطلاقاً ممّا تقدّم أودّ أن أُسلّط الضوء على جزء من خطبة استقبال شهر رمضان المرويّة عن النبي محمد (ص) حيث يقول: تَصَّدقّوا على فقرائكم ومساكينكم، وقّروا كباركم وارحموا صغاركم وَصِلوا أرحامكم وغُضّوا أبصاركم عمّا لا يحل النظر إليه. يهدف هذا الشهر إلى تمام الكلام في الأبعاد العبادية الإجتماعية والتربوية، والتي تشكل ثقافة الإسلام وتوصل الإنسان إلى الصيام وفهمه، وهذه الوصايا التي نادى بها رسول الله (ص) وغيرها من الكلمات هي عناوين لخطّة اجتماعيّة تربويّة ترتقي بنفس الإنسان الصائم إلى مراتب العمل للحفاظ على وجوده الإنساني من خلال أفعاله وتصرفاته بهذا الشهر، الذي يحمل في لياليه وأيامه رسائل الإخلاص لله وتهذيب النفس والقربى ودروس الإنسانية. فترتقي الروح نحو مراتب كمالها الإنساني وتنعكس على واقع الإنسان وتصرّفاته. فَـوجود الإنسان في هذا الكون العميق ليس وجوداً هامشيّاً إنّما لأجل أن يعيش التفاصيل التي أُتيحَت له، فقد كرَّم الله بني آدم وفَضَّلَه على باقي المخلوقات ومَيَّزَه بميزة العقل، وأرسل لأجله الأنبياء والمرسلين ليكونوا مبشّرين ومنذرين. فكانت الرّسالات السماوية وكانت التشريعات التي تحفظ الإنسان بكل تفاصيل حياته، وهنا أشير إلى عمق الدين وأخصّ الإسلام، فالتشريع ليس للعبادة في المسجد وسائر العبادات فقط، إنّما هو شامل لكل تفاصيل الحياة البشرية. من هذا الباب نعلم أنّ فريضة الصيام لها بُعدَين مادي ومعنوي فلا يتحقق الصيام إلا بعد الامتناع عن الطعام والشراب والمفطرّات من مطلع الفجر حتى مغيب الشمس وهذا مصداق البعد الأول، أما البعد الآخر الذي ينطلق من فلسفة فهم هذه الشعيرة التي أوجبها الله سراً على الإنسان.
إنَّ الأبعاد التربوية والإجتماعية والفلسفية في تهذيب النفس من خلال الصوم يمكننا أن نأخذ شيئاً منها لحياتنا على مدار العام، ونستذكر الإنسان الضعيف والمحتاج والفقير فنهذِّب النفس ونروّض الذات على أن تكون في خدمة عيال الله ، وحتى نستفيد وإياكم في هذا الشهر المبارك سنذكر بعض الأبعاد الاجتماعية والتربوية للصيام، فخلاصة الفائدة في هذا الشهر المبارك أن نفارقه وقد أشبعنا نفوسنا وقلوبنا الصلاح والإصلاح لا التعب والجوع والعطش.
١-نتعلم من الصيام كيف نترك ملذّات الحياة ونتساوى مع بعضنا البعض مهما كانت عناويننا ومواقعها أو ما نمتلكه من مال.
٢-نتعلّم من الصيام كيف نشعر بالفقير والمحتاج فنسعى لكي نتكافل مع الآخرين في مجتمعاتنا .
٣-نتعلّم من الصيام كيف نسامح ونعفو ونغفر لمن أساء ، فننشر التلاقي والأمل داخل المجتمع .
٤-نتعلّم من الصيام أن نغيّر الكثير من سلوكنا السيّئ وسلبياتنا ونستبدله بالسلوك الحسن والإيجابيّة .
٥-نتعلّم من الصيام أن الطّريق إلى الله قريب، وما زلنا تحت رعايته وضيافته ، فلنعمل كي نحافظ على هذا القرب .
٦-نتعلّم من الصيام الصبر والعزيمة على محاسبة النفس والإستعداد للإنطلاق من دنيا الفناء إلى عالم البقاء .
٧-نتعلم من الصيام كيف نستعمل الحريّة من خلال الإرادة .
ختاماً، إنّ الله تعالى فرض على الإنسان ما فيه مصلحته ووصوله نحو مراتب العيش الكريم في الدنيا والراحة في الآخرة، نسأل الله تعالى أن يتقبَّل أعمالكم في هذا الشهر وأن نُحسِن الإستضافة الإلهية {إنّ لله في أيام دهركم نفحات فتعرّضوا لها} والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.