سقط القناع الفرنسي والاوروبي بشكل عام عن وجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بعد ان عمد منذ اشهر طويلة الى ارتدائه والاعلان عن انه الوحيد الذي يحظى بتأييد فرنسا والمدافع الاول عن مبادرتها. بالامس، ودون سابق انذار، سقط القناع الفرنسي وبالتالي الاوروبي عن الحريري، وبدا ان كل جولاته السابقة التي قام بها لم تكن كما روّج لها، ومن يسمع ما قاله القيادي في تيار "المستقبل" مصطفى علوش عن فرنسا، يدرك دون أي جهد ان الوئام لم يعد من ميزة العلاقة بين رئيس التيار و"الام الحنون". سَحب الفرنسيين دعمهم للحريري يوحي بأن مسألة الحديث عن اعتذاره في الايام الماضية لم تكن عبثية او مجرد "جس نبض"، بل كانت اكثر من جدية ولا تزال، وفقدانه لمثل هذه الورقة افقده ايضاً عنواناً رئيسياً من عناوين حربه الداخلية في وجه بقيّة الاطراف، حيث كان يجد نفسه على انه الوحيد الذي يحمل درع الدفاع عن المبادرة الفرنسيّة، فإذا بعلّوش يعلن وفاة هذه المبادرة. هذا الامر يعني عمليا انه لم يعد هناك من مبرّر للتمسك بالحريري، وان كل جولاته الخارجيّة لم تثمر او على الاقل لم تكن رياحها بما اشتهت سفنه، فيما لا تزال السعودية على موقفها القديم منه، من دون ان تعمد الى تغييره او تعديله، خصوصا وانها لم تتعرّض لاي ضغوط تحثها على مثل هذا التغيير، على عكس ما كان الوضع عليه حين كان الحريري محتجزاً عندها ومارس الرئيس الفرنسي ضغوطا كبيرة بمعاونة الاميركيين لعودته الى بيروت.
ومع غياب الضغط الفرنسي والاوروبي وحتى الاميركي على السعوديّة، لم يكن امام الحريري سوى ترقب ما يمكن ان تقوم به دولة الامارات العربيّة المتحدة من "وساطة" في هذا المجال، علها تشكل متنفساً يعيد اليه بعض ما فقده من دعم اقليمي ودولي. اما على الصعيد الداخلي، فلا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري الداعم الابرز لرئيس الحكومة المكلف، ولكن الباقين بدأوا يترددون في اكمال دعمهم والتعبير عنه، ومع تراجع الدعم الدولي والاقليمي، سيكون من المتوقّع ان يخفّ دعم برّي بطبيعة الحال، وينحسر دعم الآخرين ليفقد الحريري بشكل متسارع مظاهر التأييد ، ما قد يضعه امام حسابات الربح والخسارة فيقرّر عندها الاعتذار لكسب التعاطف الشعبي. هذه الخطوة ستكون بمثابة "الخرطوشة الاخيرة" لرئيس تيار المستقبل لكي يحافظ على رصيده، وهي خطوة ستأتي وفق ما سيسمعه من الاماراتيين حول اجواء المحادثات التي جرت مع ولي العهد السعودي، فإذا كانت مقبولة، سيستمر في التكليف ولن يتراجع، اما اذا كانت غير مقبولة او سيئة، فعندها سيسارع الى الاعتذار والعمل على كسب ودّ الشارع واعادة شدّ العصب السني حوله في انتظار الانتخابات المقبلة ليسجّل حضوره بأفضل صورة ممكنة.
وصل الحريري الى الامتار الاخيرة في سباقه لتشكيل الحكومة، وعلى الرغم من انّه لا يمكن القول ان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل فاز بشكل عام، الا انه لا يمكن لاحد ان ينكر في المقابل، ان باسيل تمكن من التملّص من "فخّ" الحريري، وهو قاتل في ظروف غير ملائمة له ووسط حملة عليه وتراجع كبير له في الوسط السياسي، وفي ظلّ عقوبات اميركية فرضت عليه وتهديد بأنه سيكون على اللائحة الاوروبية. وبالتالي، يسجّل لباسيل قدرته على "العودة" امام الحريري، الّذي ان اعتذر، يكون قد اعطى دفعة سياسية ومعنوية من حيث لا يرغب، الى باسيل سيستغلّها الاخير بكل الطرق الممكنة، فمن الذي سيضحك كثيراً، فيما الشعب هو الوحيد الذي يبكي؟!.