بدعوة من المؤتمر القومي العربي والمركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، عُقد عبر تقنية الفيديو مؤتمر على مدى يومين لمئات الشخصيات العربية والعالمية الداعية لرفع الإجراءات القسرية أحادية الجانب عن الشعب السوري. وقد كان الإقبال على هذا المؤتمر بجلستيه باللغة العربية والإنكليزية مدهشاً حيث تداعت مئات الشخصيات من البلدان العربية والولايات المتحدة وأستراليا وكندا والهند والصين والدول الأوروبية ودول أميركا الجنوبية وقدمت تجارب وأفكاراً ومقترحاتٍ لمواصلة العمل من أجل وضع حدّ لهذه الإجراءات ضد الشعب السوري والتي ترقى إلى العقوبة الجماعية والجريمة بحق الإنسانية. كما قدّم معظم المتحدثين تحياتهم إلى سورية شعباً وقيادة وإعجابهم بهذا الصمود الأسطوري في وجه أعتى حرب ظالمة ومموّلة يتعرض لها أي بلد في العالم.
وكانت المقارنات في الأوراق بين صمود كوبا ستين عاماً في وجه العقوبات الأمريكية والذي شكّل منطلقاً لحركات التحرر والاستقلال والسيادة في أميركا الجنوبية وبين صمود سورية والذي هو مرشح أن يكون الشعلة التي تضيء الواقع العربي وتؤسس لتغييره واستقلاله الحقيقي وسيادة شعبه على أرضه.
وقدّم المداخلون أفكاراً قيّمة وجريئة وجديرة بالمتابعة الحثيثة وفق آليات عمل يضعها المسؤولون عن هذه الفعاليات؛ فقد اقترح أحد المتحدثين أن يكون هذا اللقاء انطلاقة لحملة دولية تقودها نخب من العالم برمته والدول التي وقعت عليها العقوبات الأمريكية الجائرة، وفي إحدى الأوراق التي ناقشت مواقف الدول الغربية التي استهدفت سورية اقترح المتحدث أن نطلق منذ اليوم "دبلوماسية الشعوب ضد دبلوماسية العصابات" ليس فقط دفاعاً عن سورية وإنما دفاعاً عن الإنسانية برمتها، وأضاف متحدث آخر أن تكون هذه الحركة مزيجاً من دبلوماسية الدول والشعوب يشكّل قوامها الدول المتضررة من العقوبات الغربية اللاقانونية والنخب المؤمنة بضرورة إيجاد
نظام عالمي جديد يخلّص البشرية من الهيمنة الغربية عبر الأطلسي والتي استمرت على مدى خمسمئة عام فائتة.
كما ركز بعض المتحدثين على ضرورة رفع الوعي الاجتماعي السياسي في العالم حول ما يتوجب فعله وحول مسؤولية كل إنسان في هذه المرحلة من تاريخ البشرية ولابدّ من أجل تحقيق هذا الهدف من إنشاء منصات إعلامية ومعرفية فعّالة في مختلف بقاع الأرض تعمل بالتعاون والتنسيق وتكون مهمتها الأولى إعادة صورة سورية والشعب السوري والقيادة السورية في أذهان العالم إلى حقيقتها ومحو آثار الشيطنة التي عمل الإعلام الغربي على ترويجها منذ عقود عن سورية والشعب السوري، واستبدالها بالصورة الحقيقية الديناميكية لسورية الحضارة والتاريخ ومساهمتها الإنسانية في الإقليم والعالم في أذهان الأجيال الناشئة وهذا حق للشعب السوري وواجب على الجميع أن يساعد في تحقيقه. وبهذا الإطار يمكن الاعتماد على السوريين المخلصين وأصدقائهم وداعمي سورية في دول الغرب والشرق للبدء بهذه المهمة وصولاً إلى إنجازها.
لقد اقرّ معظم المتحدثين أن الاستهداف المركّز لسورية كان استهدافاً للعروبة والعرب جميعاً لأن سقوط سورية كان سيعني نهاية الأمة العربية ودورها في الإقليم والعالم، ولذلك فإن ما تحمّله الشعب السوري هو في الواقع نيابة عن أشقائه في كلّ أقطارهم وعن كلّ دعاة التحرر والاستقلال والسيادة الحقيقية في مختلف أركان الأرض.
كما دعا أحد المتحدثين من كندا إلى إنشاء محاكم دولية تجرّم الذين يفرضون العقوبات على البلدان والشعوب ويشارك في هذه المحاكم محامون من كلّ البلدان المتضرّرة والبلدان الرافضة لهذا الأسلوب من الجرائم ضد الإنسانية وأن يرافق أي عمل قانوني أو دبلوماسي إعلام مركز يدحض ما يروّجه الإعلام الغربي ويفقده مصداقيته ويشهّر بأكاذيبه.
وفي السياق ذاته وبجهد منفصل تماماً ولكنه نابع من قناعات ومواقف متشابهة عقدت مؤسسة "تشيللر" في (ألمانيا) مؤتمراً عبر تقنية الفيديو لرفع الإجراءات القسرية أحادية الجانب عن الشعب السوري والمساهمة في تشكيل نظام عالمي جديد يتحرر من هيمنة الدول الغربية عبر الأطلسي على الإرادة الدولية، وأيضاً تنادى لهذا المؤتمر مفكرون وسياسيون ودبلوماسيون حيّوا صمود
الشعب السوري واعتبروا أن صموده وتضحياته قد كشفت النقاب عن الحاجة الماسة إلى نظام دولي جديد لا يقبل أن يكون رهينة للإمبريالية والاستعمار.
لا شك أن صمود سورية ومواقف روسيا وإيران والصين معها في حربها على الإرهاب يأذن بخلق توازن مختلف في العالم وآليات عمل مختلفة عن الأسس التي وضعتها الدول بعد الحرب العالمية الثانية خاصة وأن الولايات المتحدة قد خرقت هذه الأسس وهيمنت على قرارات المنظمات الدولية وتفرّدت بالقرار الدولي.
ولا شك أن حرب القطن التي خاضتها الصين ضد ماركات عالمية قاطعت قطن شينجيانغ، ووقوف الصين صفاً واحداً في وجه هذه المقاطعة وانضمامهم إلى مؤسساتهم ودولتهم في مقاطعة الماركات الغربية التي اضطرت إلى التراجع عن قرارها يشكّل منارة على طريق ولادة نظام عالمي جديد متحرّر من هيمنة القطب الواحد ومتجاوب مع طموحات الشعوب في السيادة والاستقلال وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
لقد شعرتُ من خلال المشاركة في هذه المؤتمرات الثلاث، ومن نبض ورؤية وأفكار وحماس المتحدثين أن الوقت للعمل هو الآن وليس غداً وأن الشعور لدى الأسرة الدولية الحقيقية على الأرض قد نضج بألا تكون أداة بيد الإعلام الغربي والحكومات الغربية بل أن تكون أداة مساعدة في تقويض ما يفرضونه على العالم من عقوبات وحروب بالواسطة وأكاذيب مختلقَة عن واقع الشعوب وتاريخها وحاضرها وطموحاتها المستقبلية.
ولا شك أن الإعلام الغربي يلعب اليوم دوراً في تثبيط الهمم ومحاولة عزل مثل هذه الأصوات وتوجيه مختلف الاتهامات لها ولكن يجب ألا ننسى أن هذا كله جزء من الحرب الدائرة وأن الطامحين لتغيير الواقع يجب أن يتحلّوا بالوعي لكلّ ما يتم الترويج له وفرز الغث من السمين واختيار أنجع الطرق لبثّ مفاهيمهم وإقناع المتلقين بأحقية وجدوى وأهمية ما يقومون به مع الثقة الكاملة أن هذا هو المسار الطبيعي للتاريخ، وأن من يحاول إيقاف عجلة التاريخ والتشبث بالأكاذيب والأوهام واختراع الأعداء وشيطنتهم يقف حُكماً على الجانب الخطأ من التاريخ.
هناك واقع جميل ذو مبادئ ورؤى وأفكار يتطلع لقيادة وتنسيق بين مختلف مكوناته كي يقوم بمهمة تاريخية ناجعة. علينا التقاط اللحظة والتحرّر من دائرة القنوط واليأس التي رسمها لنا الأعداء والانطلاق إلى عالم رحب مليء بالإمكانيات الواعدة والتوّاقة أن يتمّ الاستثمار بها لأجلها ولأجلنا ولأجل البشرية جمعاء.