في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد على مختلف المستويات، قد يكون من المنطقي أن تركز مختلف القوى السياسية على الملفّ الحكومي، على قاعدة أن الانتهاء منه يُفترض أن يكون البوابة نحو انطلاق المعالجات العملية التي ينتظرها اللبنانيون، لكن في حقيقة الأمر يبدو أنّ تفكير بعضها بات في مكان آخر مختلف كلياً.
في هذا الاطار، قد يكون من المنطقي أن تبدأ قوى المعارضة، سواء السياسية أو المدنية، التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، نظراً إلى أنها قررت ألا تكون معنية بالملف الحكومي بكافّة تفاصيله، وبالتالي من حقّها السعي إلى قلب موازين القوى في تلك الانتخابات، على أمل تغيير الأكثرية النّيابية أو احداث خرق في المشهد القائم، لكن أن تبدأ بهذا الأمر القوى المحسوبة على الأكثريّة النّيابية، أو التي من المفترض أن تكون جزءاً من الحكومة العتيدة، فهذا أمر مستغرب.
في هذا السياق، تعتبر مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن الرسالة التي وجهها وزير الخارجية الفرنسيّة جان إيف لودريان إلى القوى التي تُصنف "تغييرية"، لناحية دعوتها إلى التوحّد والاستعداد للاستحقاق الانتخابي المقبل، قد تكون المؤشّر الأبرز على أنّ الرهان على تحوّل كبير من خلال تشكيل الحكومة لم يعد قائماً، بالإضافة إلى أنّها توحي بوجود قرار دولي حاسم بمنع القوى السياسية من التفكير في "تطييره"، لا بل حتى السعي إلى إضعافه.
وتشير هذه المصادر إلى أن أغلب القوى السياسية الممثّلة في المجلس النيابي الحالي تفضل عدم الذهاب إلى الانتخابات النّيابية، نظراً إلى قناعتها بأنّ الانهيار الحاصل في البلاد، منذ 17 تشرين الأول من العام 2019، من المفترض أن يكون له تداعيات في صناديق الإقتراع، لا سيما على الساحتين السنّية والمسيحيّة، وبالتالي من الأفضل تأجيله إلى حين تبدّل المعطيات الراهنة، في ظلّ الرهان على امكانيّة حصول ذلك في وقت قريب انطلاقاً من التحولات الاقليمية المنتظرة.
وتوضح المصادر نفسها أنّ هذا الواقع هو الذي دفع بعضها، في الفترة الماضية، إلى فتح ملفّ تغيير قانون الانتخاب أو إدخال تعديلات عليه، الأمر الذي من المتوقع أن يكون الباب الأساسي نحو طرح التمديد أو التأجيل، خصوصاً أن الإتفاق على الحالي النافذ تطلب سنوات قبل أن يتمّ التوافق عليه، بالرغم من الثغرات التي تعتريه.
على هذا الصعيد، تلفت المصادر السياسية المطلعة إلى أن بعض القوى السياسية التي تنتمي إلى الأكثرية النيابية بدأت بعقد الإجتماعات على المستوى الداخلي لإنجاز التحضيرات الأولية، في حين أنّ هناك من بدأ بالبحث عن كيفية تأمين الأموال اللازمة لذلك، خصوصاً على المستوى الإعلامي نظراً إلى أنه يتوقع أن تكون المنافسة حادّة، بينما العنوان الأبرز للعمل سيكون التركيز على كيفية تقديم المساعدات الإجتماعية.
وتشير هذه المصادر إلى أنّه في الأصل طريقة التعامل على مستوى تشكيل الحكومة، التي تسيطر عليها إرادة الكسر المتبادلة، توحي بأنّها ليست إلا جزءاً من التحضير للمعركة الإنتخابيّة، التي يراد أن تفرز توازنات جديدة تلعب دوراً أساسياً في الإستحقاقات الأخرى، كالإنتخابات الرئاسيّة التي باتت أيضاً الشغل الشاغل لهؤلاء الأفرقاء، بدليل الصراع القائم حول الحصول على الثلث أو النصف زائد واحد من أعضائها.
في المحصّلة، بالنسبة للكثيرين لم يعد ملفّ تشكيل الحكومة هو الأولويّة، بغضّ النظر عن التداعيات التي ستترتّب عن ذلك على مستوى معاناة المواطنين من تدهور الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة، لدرجة بات البعض لا يتردّد في توقّع أن تستمر حكومة تصريف الأعمال الحاليّة إلى ما بعد الإنتخابات النيابية المقبلة.