استفاقت إيران اليوم على وقع فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية في البلاد، ورغم تحديد مجلس صيانة الدستور للشروط الجديدة لقبول الترشيح، شهدت مكاتب وزارة الداخلية تخمة ترشيحات للانتخابات التي ستُقام في 18 حزيران المقبل.
رغم عدم وضوح الصورة بعد لما قد تتّجه إليه الانتخابات، فإن الترجيحات كلها تصب في وصول رئيس أصولي إلى قصر "باستور" (مقر رئاسة الجمهورية)، وهي نابعة من تحليل نتائج الانتخابات النيابية التي انطلقت بداية العام الماضي، والتي أدت إلى اكتساح الأصوليين مبنى البرلمان الإيراني، الّذي، كان نتيجة المشاركة الضئيلة في الانتخابات، بعد أن استبعد مجلس صيانة الدستور العديد من المرشحين الإصلاحيين.
اليوم، في الانتخابات الرئاسية، يُتوقع أيضاً أن تكون المشاركة ضئيلة. فمن جهة، يروّج بعض الإيرانيين، لفكرة أن هذه الانتخابات لن تؤثر على مصيرهم. إذ أن قرارات البلاد الحاسمة، بما فيها القرارات الخارجية للبلاد، لا يحددها الرئيس بل المجلس الأعلى للأمن القومي ومن خلفه القائد الأعلى علي خامنئي. وهذا الموضوع ليس خفياً على أحد، وهو ما أكده خامنئي نفسه بعد أزمة التسريب الصوتي لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، حين قال أن "مهمة وزارة الخارجية هو تنفيذ القرارات وليس اتخاذها".
وتوضح هيكلية مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي يرأسه الأصولي المتشدد آية الله أحمد جنتي، أن قراراته لن تكون متساهلة مع المرشحين الإصلاحيين. وكان المجمع قد أصدر في الأيام الماضية قراراً حدّد فيه الشروط الأهلية للمرشحين، أطاح بموجبها ببعض الأسماء المطروحة، ومنها وزير الاتصالات محمد جواد آذري جهرمي، بسبب صغر سنّه.
بعيداً عن التحليل، في الأسماء المطروحة حالياً، لا يوجد أي اسم إصلاحي يمكنه إشعال الانتخابات، سوى شخصية واحدة: محمد جواد ظريف. وزير الخارجية الإيرانية، الذي تنسب إليه الاتفاقية النووية، أعلن أكثر من مرة رفضه الدخول للانتخابات. إضافة إلى ذلك، قد تحول الضربات التي تلقّاها من قبل الفريق الأصولي في البلاد، إلى ابتعاده عن المشهد السياسي، خوفاً من الهجمة التي قد يتعرّض لها في حال فوزه بالانتخابات. إلا أن الدعم والتوافق الإصلاحي عليه، خصوصاً من قبل شخصيات أساسية في هذا التيار، قد يدفعه في نهاية مهلة الترشيح، التي تنتهي السبت المقبل، إلى العودة عن قراره ودخول غمار الانتخابات.
بالتالي، وتبعاً لما سبق، فإن الأصوليين هم الأكثر ترجيحاً للوصول إلى رئاسة الجمهورية. ووفقاً للأسماء المطروحة عند هذا التيار، ومنها تقدّم اليوم بالترشح، يبقى إسم رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي هو الأكثر حظاً للفوز بهذا المنصب. وفي حال عدم ترشح ظريف، لن يتمكّن أي اسم آخر من مواجهة رئيسي.
رئيس السلطة القضائية، كان قد ترشّح في الانتخابات الماضية عام 2017، وحاز على نسبة عالية من الأصوات. وبالتالي، فإن الأصوات اللازمة للنجاح موجودة، إضافة لجذبه المزيد من الإيرانيين في الفترة الماضية بعد انجازاته على المستوى القضائي، ومحاسبة عدد من الفاسدين في القطاع العام.
في المحصّلة، تبعد إيران عن تحديد الشخص الذي سيسكن القصر الرئاسي فيها ما يقارب الشهر. هذا الشخص، سيحدّد، ضمن الهامش المسموح له، صورة إيران في السنوات الأربع المقبلة، وتحديد علاقات الجمهورية الاسلامية مع دول المنطقة من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى. وحتى ذلك التاريخ، ستبقى جميع الملفات، ومنها المحادثات النووية في فيينا، معلّقة.