ليست المرة الاولى التي تعمد فيها اسرائيل الى التصعيد الخطير في القدس المحتلة، ولا في المسجد الاقصى الذي يقصده الفلسطينيون للصلاة، فيحوله الاسرائيليون بممارساتهم الاستفزازية الى ساحات مواجهة دامية تستمر اياماً قبل ان يؤدي التدخل الخارجي الى تهدئة الامور واعادتها الى ما كانت عليه سابقاً. ولكن اليوم الوضع مغاير ان في الداخل الاسرائيلي او خارجه، فالمواجهات هذه المرة تأتي وسط متغيّرات عديدة لا يمكن تجاهلها، ولعل اهمها انها تفرض نفسها على الدول العربيّة التي وقّعت اتفاق التطبيع مع اسرائيل، واستعجلت مسار فتح السفارات والتمثيل الدبلوماسي، فما هو موقفها اليوم واين سيكون وضعها؟ مع العرب والفلسطينيين ام مع الاسرائيليين؟ وكيف ستبرّر الموقف الذي ستتخده امام شعوبها، وكيف ستوفق بين الدبلوماسية والمواجهات الكارثية التي تشهدها القدس؟.
مصير هذا الشق الدبلوماسي معروف سلفاً، وقد علّمتنا التجارب على مدى عقود طويلة من الزمن انه لم يأت يوماً لصالح الفلسطينيين، حتى مع صدور قرارات دولية تدعمهم وتحفظ لهم حقوقهم، الا انه عملياً، تبقى كل هذه المواقف مجرد حبر على ورق لا يحظى باعتراف احد، ولا يؤثر على الاهداف الاسرائيلية الموضوعة. ولكن المتغيّر اليوم، في الداخل الاسرائيلي هو رئيس حكومة مستقيل، فيما لم يعد بنيامين نتانياهو رئيساً للوزراء، ولا حتى يتمتع بصفة رئيس الحكومة المكلّف، وهو رئيس حكومة مستقيل. ولا شك انه يعمل حالياً تحت ضغط شديد، لان يائير لابيد قد تم تكليفه تشكيل الحكومة، وليس سراً ان الخلاف السياسي الكبير بين الرجلين موجود وبقوة، ويكفي ان نذكر انه في العام 2014، اقال نتانياهو لابيد الذي كان يشغل منصب وزير المالية بسبب الخلاف السياسي الكبير بينهما. اليوم، يقف رئيس الوزراء المستقيل في افضل مكان يجد نفسه فيه، أيّ في خانة وضع الاسرائيليين تحت الخطر وتقديم نفسه على أنّه المنقذ الوحيد لهم، نظراً الى خبرته واعتياده على المواجهات العسكرية والامنيّة مع الفلسطينيين وغيرهم، وهو غالباً ما كان يتوسل مثل هذه المواجهات والاوضاع، كي يرفع شعبيته ويعزز صورته في الداخل الاسرايئلي وينقذ نفسه من الحرج. ولكن، اذا صحت التوقعات العسكرية، فإن "حماس" اليوم غير تلك التي اعتاد نتانياهو على مواجهتها، واذا كان صحيحاً انه لا يمكنها ان تكسب الحرب بطبيعة الحال، الا انّه صحيح ايضاً انها ستشكل مصدر ازعاج كبير ورسمي ومحرج لرئيس الوزراء المستقيل بحيث قد تهتزّ صورته التي يرغب في تسويقها لدى الاسرائيليين. في المقابل، يرابض حزب الله على الحدود الجنوبية للبنان، لعدم ثقته بمخططات نتانياهو، ولو انه يدرك تماماً ان القيام بتوسيع المواجهات لتشمل لبنان هو ضرب من ضروب الانتحار، ولكن الحزب قام بما عليه كتعبير معنوي مهم بالنسبة الى "حماس" والفلسطينيين مفاده ان هناك من يقف الى جانبهم ولو لم يدخل المعركة فعلياً، وليس من الوارد حتماً ان ينخرط الحزب في دوّامة هذه المواجهات كما فعل في سوريا مثلاً. لذلك، يكتفي الحزب بترقب ما قد يحصل من تطورات، علماً ان المناورات الضخمة التي كان اعلن عنها نتانياهو على الحدود والتي تحاكي مواجهة كل السيناريوهات العسكرية التي قد تحصل، تلقت ضربة مهمة بفعل التطورات الاخيرة، ولم تؤدّ الهدف الذي وضعت من اجله.
ليس نتانياهو بوارد الانتحار، ولا لابيد في وارد تفويت الفرصة للامعان في تقويض صورة منافسه المستقيل، ولا حزب الله في وارد الدخول مجاناً في معمعة المواجهات العسكريّة وما قد يترتب عليها من نتائج سلبية في الداخل اللبناني، والارجح انّ هذه المواجهات ستنحسر بعد ايام قليلة بفعل التدخلات الخارجية، ليعود المشهد العام الى ما كان عليه، ومن دون تغيير.