نجحت انتفاضة المقدسيين في توسيع شرارتها لتشمل كلّ أنحاء فلسطين التاريخية المحتلة حيث اندلعت المواجهات مع قوات الاحتلال في معظم المدن والبلدات الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948 إلى جانب الضفة الغربية، فيما قطاع غزة المقاوم هبّ لمساندة الانتفاضة بفرض معادلات ردع جديدة، وبالتالي نجحت انتفاضة القدس في إظهار وحدة مصير الشعب الفلسطيني، ووحدة الأرض الفلسطينية في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي»، كما نجحت في إرباك واستنزاف الكيان «الإسرائيلي» وإدخاله في حالة من الارتباك والقلق من تصاعد شرارة الانتفاضة والفشل في إخمادها، لا سيما في أحياء القدس، كما نجحت الانتفاضة الشعبية في إحداث انقلاب في الصورة لدى الرأي العالمي، وأحرجت حكومات الغرب الداعمة لـ «إسرائيل»، وعرت الحكومات العربية التي عقدت الاتفاقيات مع «إسرائيل»، وأسقطت مفاعيلها، وأسقطت صورة الدعاية «الإسرائيلية» المزيّفة عن حقيقة ما يجري من صراع على أرض فلسطين المحتلة…
من يتابع أحداث الانتفاضة والتداعيات التي أحدثتها خلال الأيام الماضية على اندلاعها، يمكن له ان يرصد جملة من النتائج الهامة التي حققتها، وهي:
أولاً، أحدثت انقلاباً في الصورة حيث نجحت انتفاضة المقدسيين في إسقاط الدعاية الصهيونية المضللة التي تقوم بها الحركة الصهيونية في معظم دول العالم، لا سيما في الدول الغربية حول حقيقة ما يجري من صراع على أرض فلسطين المحتلة، عندما تمكن شباب الانتفاضة من نقل صور حية للاعتداءات الصهيونية لجنود الاحتلال والمستوطنين وهم يمارسون القمع والإرهاب ضدّ الفلسطينيين في الشيخ جراح وباب العمود وفي قلب المسجد الأقصى، وبث هذه الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي مما كشف للرأي العام حقيقية ما يجري من فظائع وانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني، وما ينفذه الاحتلال الصهيوني من سياسات تطهير عرقي وفصل عنصري ضدّ أصحاب الأرض الحقيقيين بمحاولة اقتلاعهم من أرضهم ومنازلهم… وأحرجت هذه الصور الحكومات التي كانت تدافع عن الإرهاب «الإسرائيلي»، كما أحرجت الإعلام الغربي الذي كان يكتفي بتغطية الحدث وفق الرواية الصهيونية، لا سيما الإعلام الأميركي، وأرغمته على التعامل مع ما يحصل في القدس المحتلة بشيء من الموضوعية، والاعتراف والإقرار، ولو على نحو خجول، بما يتعرّض له الفلسطينيون من قمع وإرهاب ومحاولة طردهم من منازلهم..
وفي هذا السياق قال موقع «سي أن أن» «إنّ أحد المصادر الرئيسية للاضطرابات المتزايدة في الأيام الأخيرة هو احتمال إجلاء العديد من العائلات الفلسطينية من منازلهم في حي الشيخ جراح في القدس. فيوم الأحد (الفائت) أجّلت المحكمة العليا الإسرائيلية جلسة استئناف في القضية القانونية التي استمرت عقوداً».
أما صحيفة «نيويورك تايمز» فقد قالت إنه صباح الإثنين، (الماضي) «دخل رجال شرطة إسرائيليون المسجد الأقصى، وأطلقوا الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية على الفلسطينيين، ما أدّى إلى إصابة مئات الأشخاص وإرسالهم إلى المستشفى. بينما كانت حشود الفلسطينيين ترشق الحجارة على الشرطة».
كما اسهمت ابتسامات الشباب الفلسطيني، لدى اعتقالهم من قبل جنود الاحتلال، في بعث رسالة إلى كلّ العالم عن عدالة قضيتهم ووحشية جنود الاحتلال وإرهابهم..
ثانياً، أدّت جرأة المقدسيين إلى شلّ قوة وآلة القمع الصهيونية وإرباك خطط العدو لإرهاب المرابطين في القدس، واضطرت سلطات الاحتلال الى إلغاء مناسبات واحتفالات للمستوطنين في القدس.. وهذا يؤشر إلى استمرار فقدان سلطات الاحتلال السيطرة على الأرض…
ثالثاً، نجاح المقاومة في كسر المعادلات «الإسرائيلية»، وفرض معادلة جديدة غزة مقابل القدس، وذلك لحماية القدس وإحباط خطط الاستيطان، وترجمة هذه المعادلة بقصف القدس الغربية بالصواريخ، مما هزّ أمن الكيان وأرعب المستوطنين، وبث الهلع في الكنسيت الصهيوني.. فبدت حكومة العدو فاقدة السيطرة والقدرة على التحكم بمسار الأحداث لا سيما أمام تنامي القدرات الصاروخية لفصائل المقاومة.. التي أنذرت العدو بقصف تل أبيب إذا ما تمادى في قصف الأبراح والأبنية المدنية في قطاع غزة… وهذا الانذار لا يمكن للعدو إلا أن ياخذه على محمل الجدّ بعد أن نفذت المقاومة إنذارها بقصف القسم الغربي من مدينة القدس المحتلة.. وحوّلت مدينتي أسدود وعسقلان إلى أشباح، حيث يقبع المستوطنون في الملاجئ.. وقد فشلت القبة الحديدة في منع صواريخ المقاومة من التساقط على القدس وعسقلان وأسدود، وبرّرت القناة 12 الإسرائيلية ذلك الفشل بوجود «خلل فني في القبة الحديدية هو السبب وراء فشل اعتراض الصواريخ في عسقلان».
أما صـحـيـفـة «نـيـويـورك تـايـمـز» فقد أقرت بأنّ «صواريخ حماس استهدفت إسرائيل بشكل مكثف وربما تغلبت على الدفاعات الإسرائيلية».
هذا الواقع، واقع تآكل المزيد من قوة الردع الإسرائيلية، أقرّت به صحيفة «معاريف» الإسرائيلية التي قالت، «انّ الثقة الإسرائيلية الفائقة بقدرتها على ضبط الأمن دفعها للاعتداء على المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جراح، لكن ما لم يكن متوقعاً هو تقدّم غزة إلى المعادلة وانفجار الوضع..
هكذا فإنّ الانتفاضة الشعبية في القدس تمكّنت من فرض مرحلة جديدة من الصراع مع الاحتلال الصهيوني، وكشفت عجز الاحتلال وكسر هيبة العدو في القدس، فيما نجحت المقاومة في غزة في مفاجأة العدو عندما دخلت على خط المواجهة المحتدمة في القدس وتاكيد وحدة المصير الفلسطيني وعدم السماح للعدو في تجزئة المعركة واستفراد أهالي القدس، وبالتالي لا يمكن المساومة في هذه المعركة، وهو ما تجلى بالإرادة المدعومة شعبياً، بتنفيذ قرار قصف القدس بصواريخ يصل مداها إلى 120 كلم وهز الأمن الصهيوني وكشف تآكل قوة الردع الإسرائيلية وقدرات المقاومة المتنامية وجاهزيتها لخوض الصراع وعدم التردد في الإقدام واختيار توقيت ضرب العدو…