اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" إن "خطة كوشنر الغريبة للسلام قد فشلت"، وعلقت ساخرة على ما كتبه كوشنر قبل شهرين في صحيفة "وول ستريت جورنال" قائلا: "نرى آخر بقايا ما كان يطلق عليه الصراع العربي- الإسرائيلي" حيث قدم مسحاً لنتائج ما أطلق عليها اتفاقيات إبراهيم، أو سلام الشرق الاوسط التي قام بالتفاوض عليها في ظل صهره دونالد ترامب. ورات بانه "كان في قلب الثقة الزائدة بالنفس وفي الاتفاقيات نفسها وهم قاتل بأن الفلسطينيين هزموا بدرجة كبيرة وفي حالة بائسة وتستطيع إسرائيل تجاهل مطالبهم".
وكتب كوشنر قائلا: "واحد من الأسباب التي أدت لاستمرار النزاع العربي- الإسرائيلي ولوقت طويل كانت الأسطورة التي أكدت على ضرورة توصل الفلسطينيين والإسرائيليين لحل خلافاتهم". مضيفا: "لم يكن هذا صحيحا أبدا، وكشفت اتفاقيات إبراهيم أن النزاع لم يكن سوى نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين ويجب ألا يعيق علاقات إسرائيل مع بقية العالم العربي".
ومن أجل التحايل، بدأت الولايات المتحدة بجلب دول عربية وإسلامية كي تطبع علاقاتها مع إسرائيل. وحصلت الإمارات على صفقة أسلحة ضخمة، أما المغرب فقد حصل على دعم ترامب لضم الصحراء الغربية، والسودان شُطب من قائمة الدول الراعية للإرهاب. إلا أن انفجار العنف في إسرائيل وفلسطين في الأيام الماضية، أكد على أمر لم يكن على أحد الشك به: العدالة للفلسطينيين هي شرط للسلام. وواحد من الأسباب التي أدت لغياب العدالة للفلسطينيين هي السياسة الخارجية الأميركية. وأشارت لما قاله ديفيد بن عامي مدير الجماعة الصهيونية الليبرالية "جي ستريت": "أعتقد أنه لم يكن هناك أي مجال لاستمرار الاحتلال والضم الزاحف لو قالت الولايات المتحدة لا". ويمكن للواحد أن يشجب حماس وصواريخها ويعترف في الوقت نفسه أن الحريق الهائل الحالي بدأ بإفراط إسرائيل النابع من حس الحصانة والإفلات من العقاب. فالنقطة الساخنة التي أدت لكل هذا، هي محاولات المستوطنين طرد عائلات فلسطينية من بيوتهم في حي الشيخ جراح في القدس. ثم اقتحام الشرطة الإسرائيلية المسجدَ الأقصى في الليلة الأولى من رمضان، ليس من أجل منع العنف ولكن لوقف مكبرات الصوت التي غطت على خطاب للرئيس الإسرائيلي. ويخشى الفلسطينيون، ولديهم أسبابهم، أن إسرائيل تحاول طردهم بشكل كامل من القدس. كما تعتبر إسرائيل أن من حقها الدفاع عن نفسها ضد حماس، وهو تبرير قاد إلى مقتل أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
ولفتت الصحيفة الاميركية الى أن هناك وهم ساد لدى اليمين الأميركيين والإسرائيليين بشأن الفلسطينيين، وهو إمكانية الحفاظ على الوضع الراهن عندما يتعلق الأمر بهم. ولفتت الى انه "حتى نكون منصفين فهذا الوضع لم يبدأ مع ترامب: فأميركا تدعم الاحتلال والمشروع الاستيطاني منذ عقود".
ونقلت عن طارق باكوني، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، أن إدارة ترامب كانت بطرق ما صريحة أكثر من الإدارات السابقة في عدم احترامها للفلسطينيين. فكلها متشابهة، وما فعله ترامب هو أنه "جعل اليمين الإسرائيلي المتطرف يعرف أنه يستطيع تمرير معظم سياساته المتطرفة".
وقبل ترامب كان من الممكن القول إن الاحتلال سيجبر إسرائيل على الاختيار بين كونها دولة يهودية أو ديمقراطية. وفي سنوات ترامب أصبح خيار إسرائيل واضحا ولا يمكن إنكاره. ففي قانون الدولة القومية عام 2018 اعترف بـ"المستوطنات اليهودية كقيمة وطنية" وقلل من وضعية المواطنين العرب في إسرائيل. وكلما توسعت المستوطنات كلما أصبح حل الدولتين حلما بعيدا وفانتازياً. ويقول باكوني إن موت حل الدولتين قوّى من حس المصير المشترك بين الفلسطينيين في داخل الأراضي المحتلة والعرب داخل إسرائيل أو المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. وقال: "كلما نظرنا إلى إسرائيل- فلسطين كواقع دولة واحدة يتمتع فيها اليهود بالحقوق الكاملة والفلسطينيون بمستويات مختلفة من الحقوق، كلما فهم الفلسطينيون أن كفاحهم واحد". وقالت غولدبيرغ إن أهم ملمح في العنف الذي هز المنطقة هي المواجهات بين اليهود والفلسطينيين داخل إسرائيل، ففي اللد حُرقت على الاقل أربعة معابد يهودية، فيما شوهد الغوغاء اليهود وهم يبحثون عن أهداف عربية للهجوم عليها في طبريا وحيفا.
وذكرت ديانا بطو، المحامية السابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تعيش في حيفا: "عشت هنا مدة طويلة ولم أر أسوأ من هذا". وكل هذه الفوضى حددت سابقا: فكل ظلم في المنطقة له تاريخ مستحيل ومعقد يعود، ولكن الولايات المتحدة هي التي ضمنت قهر الفلسطينيين وساعدت القوة المتزايدة للعرقية القومية اليهودية.
وإن لم يكن بايدن قادرا على دفع "عملية سلام" باهتة أفضل من ترامب، وإن تعد إسرائيل قادرة على تجاهل مطالب الفلسطينيين، فنحن لا نستطيع تجاهلهم.