في 9 أيلول 2020 بدأت شركة "ألفاريز ومارسال" مُهمّة التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وهي رفعت أكثر من 130 سؤالاً تحتاج إلى إجابات عنها، لكن بعد خمسة أسابيع إعتبرت الشركة أنّ الإجابات ناقصة(1)، وسرعان ما قرّرت الإنسحاب من مهمّتها في تشرين الأوّل الماضي. واليوم، وبعد سلسلة من التطوّرات على مدار الأشهر السبعة الأخيرة، تتجه الأنظار إلى القرار الذي ستتخذه الشركة بشأن إستكمال مُهمّتها من عدمه، لما لهذا القرار من أهميّة كبرى. فماذا في التفاصيل، وما هي التوقّعات؟.
بداية، لا بُدّ من التذكير أنّ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون كان ذكّر في نهاية الشهر الماضي، بأنّ "هناك إستحقاقًا زمنيًا لتسليم مُستندات ووثائق مصرف لبنان لشركة التدقيق المالي الجنائي"، وقال: "نحن والشعب اللبناني نرصد، والمسافة أيّام". في المُقابل، أكّد مصرف لبنان تعاونه الكامل، وأنّه بدأ بالفعل بتأمين الإجابات والمُستندات المَطلوبة، مُبديًاجُهوزيّته لتأمين أي مُستندات تطلبها شركة التدقيق "ألفاريز ومارسال" بعد الغطاء القانوني الذي أمّنه مجلس النوّاب اللبناني للمصرف على مُستوى قانون السريّة المصرفيّة(2)، لكي تعيد النظر بقرارها السابق الذي كانت علّقت فيه مُهمّتها على مُستوى التدقيق في حسابات المصرف المركزي. إشارة أنّ قرار الشركة يجب أن يصدر في القريب العاجل، باعتبار أنّه كان يُفترض أن يتم الإنتهاء من تسليم كل المُستندات في 15 أيّار الحالي، وكان يوجد تعهّد بأن يتم تأمين هذه المُستندات وأن يتمّ إيداعها لدى وزارة المال.
وفي إنتظار مَعرفة القرار النهائي للشركة المَعنيّة، من الضروري الإشارة إلى أنّ مُعاودة أعمال التدقيق–في حال تمّ ذلك، ستشمل كل الهندسات والعمليّات المالية التي إعتمدت والتي نفّذها مصرف لبنان خلال العقد الأخير بشكل خاص، وهي تُغطّي أيضًا إستثمارات مصرف لبنان في الشركات التابعة له أو الشقيقة، وعمليّات شراء العقارات وبيعها، وُصولاً إلى ودائع المصارف وكيفيّة التصرّف بها، إلخ.
أمّا في حال إصرار شركة "ألفاريز ومارسال" على الإنسحاب من مهمّة التدقيق، سيكون على لبنان فسخ العقد معها وتسديد الأتعاب. والمُشكلة أنّ الذهاب نحو شركة جديدة للقيام بالمُهمّة يستوجب الإعلان عن مُناقصات مع شركات تدقيق عالميّة لتوقيع عقد جديد، وهذا الأمر يفترض تشكيل حُكومة جديدة، لأنّه لا يُمكن لحُكومة تصريف الأعمال توقيع عُقود بهذه الأهميّة تُكلّف أموالاً من خارج الميزانيّة الرسميّة. وبالتالي، إنّ إنسحاب شركة "ألفاريز ومارسال" يعني عمليًا سُقوط "التدقيق المالي الجنائي" في المرحلة الراهنة.
أكثر من ذلك، إنّ قانون "الكابيتال كونترول" الذي أعدّته اللجنة الفرعيّة المُنبثقة من لجنة المال والموازنة(3)، لم يُقرّ بعد، وبالتالي إنّ مصير الودائع لا يزال مجهولاً، وإعادة الثقة بالمصارف لم تحصل بعد، ومن شأن غياب التدقيق المالي الجنائي أن يزيد الطين بلّة!. وعلى الرغم من عدم حسم الصيغة النهائية لهذا القانون، فإنّ إعتراضات مصرفيّة كثيرة خرجت إلى العلن، أبرزها طال مسألة العُقوبات على المصارف، إضافة إلى إعلان عدم القُدرة على دفع أيّ مبالغ بالدولار من دون تمويل، ولا حتى مبالغ كبيرة بالليرة اللبنانيّة.
في الخُلاصة، يُمكن القول إنّه في إنتظارردّ شركة "ألفاريز ومارسال"... إنّ "التدقيق المالي الجنائي" يَترَنّح، وخطر سُقوطه كبير. أمّا في حال إبداء الشركة إستعدادهالمُعاودة أعمالها، فإنّ معارك سياسيّة وإعلاميّة حادة ستُفتح على مصراعيها، لأنّ المصرف المركزي أعدّ ردودًا تؤكّد تورّط كل الوزارات والمؤسّسات والهيئات الرسميّة في عمليّات سحب الأموال منه وصرفها، وسيُبرز المُستندات بذلك، لقطع الطريق على مُحاولة تحميله وحده مسؤوليّة الإنهيار الحاصل. وبغضّ النظر عن الجهة أو الجهات التي تقع عليها المسؤوليّة، أو النسبة التي تتحمّلها، الأكيد أنّ المواطن اللبناني هو الذي دفع الثمن الأكبر لكل ما حصل ويحصل!.
(1) بقي نحو 60 سؤالا بدون إجابات في حينه، بحجّة أنّ "المعلومات المَطلوبة مَحميّة بموجب قانون النقد والتسليف"، كما تمّت الإجابة على أكثر من عشرة أسئلة بعبارة "غير متوفّر".
(2) تذكير أنّ مجلس النواب اللبناني كان قد أسقط من جهته–ولوّ بشكل مُوقّت، السريّة المصرفيّة، من خلال القانون الذي أقرّ في 21 كانون الأوّل الماضي، والقاضي بتعليق العمل بالسريّة المصرفيّة لمدّة سنة، وأوصى بإخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المُستقلّة والمجالس والصناديق والمؤسّسات العامة بالتوازي للتدقيق الجنائي.
(3) أبرز بنوده: حظر التحويلات إلى الخارج، مع بعض الإستثناءات، وتحديد سقف 20 مليون ليرة لبنانيّة شهريًا لسحوبات المُودعين الشهريّة من مجمل الحسابات في أي مصرف مع إستثناء الراتب في حال توطينه، تحديد سقف للسُحوبات الشهريّة بالعملات الأجنبيّة على ألا تتعدّى قيمتها 50% من قيمة السُحوبات بالليرة، فرض عُقوبات على المصارف التي لن تلتزم، إلخ.