إستقطبت الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون اخيراً، الكثير من الاهتمام ولقيت العديد من التفسيرات والاقاويل، ونسبت اليها مضامين حول كل المواضيع، ولو انها لم تخرج للعلن. لا يمكن لاحد الادعاء بالاطلاع على الرسالة، لانه عندما يوجّه رئيس جمهورية رسالة الى نظيره، انما يكون هذا الامر بمثابة اتصال هاتفي بينهما، اي ان المضمون يبقى محصوراً بين شخصين، واذا كانت حالة الرسالة تشمل عدداً اكبر من الاشخاص بحكم امور لوجستية وادارية حصراً، فإن المطلعين عليها والذين لا يتجاوز عددهم اصابع اليد لن يخاطروا بتسريب مضمونها، لانهم سينكشفون عندها وسيواجهون تداعيات ما قاموا به.
انما في الشكل، لا شك ان الرسالة هي بحد ذاتها تصريح علني بأن عون لم يعد يثق بالقنوات العادية والدبلوماسية لايصال وجهة نظره الى ماكرون، وحتى وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، لم يقنع عون بأنه سينقل موقفه الى الرئيس الفرنسي، خصوصاً وان لودريان نفسه اعلن انه اكتفى بتحذير المسؤولين دون ان يتطرق الى تفاصيل الحكومة والوضع العام، بل اكتفى بالشق الاقتصادي والمعيشي. وبينما يثق عون بالنائب جبران باسيل لنقل وجهة نظره من الاحداث اللبنانية، فإنّ الاخير لم يزر فرنسا، وبالتالي اختار الرئيس اللبناني ان يردّ على محاولات رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري وزياراته العديدة الى دول العالم لنقل موقفه، عبر هذه الرسالة بسبب تعذر قيامه بجولات مماثلة. ولكن في الحالتين تبقى النتيجة نفسها، وهي تسجيل نقاط خارجيّة على حساب اللاعبين المحليين، والامعان في التأكيد على ان المشكلة خارجية وليست داخليّة وتحتاج الى قرار يتمّ اتخاذه على مستوى عالٍ من الدول الكبرى المعنيّة. وفي سياق تسجيل النقاط، كسب الحريري بعضها من خلال احراج عون بكلام وزير الخارجيّة شربل وهبه الذي اصدر بياناً حول ما قاله حاول فيه ايضاح اللغط، ولكنه لم يكن مقنعاً جداً، فاضطرت الرئاسة الى التدخل و"برأت" نفسها من مواقف وهبه، لاصلاح ذات البين خصوصاً مع السعودية التي انفتحت عليها بشكل غير مسبوق، خصوصاً وان مصالح مشتركة باتت تجمعهما وليس هناك من حاجة الى نسف هذه القواسم في هذا الظرف تحديداً، فكان الرد السريع من الرئاسة ليضمن بقاء هذه العلاقات، اقله في المدى المنظور.
ويبدو السباق محموماً بين عون والحريري على كسب المعركة الخارجيّة بعد ان نجح عون في تقليص الفارق في المعركة الداخليّة، فيما تمكن الحريري من الصمود امام محاصرته للاعتذار، ونجا من هذه المعضلة بمساعدة واضحة من رئيس مجلس النواب نبيه بري "مهندس" عودة الحريري الى رئاسة الحكومة. ولكن قطار المشاكل والويلات على الصعد الاقتصادية والمالية والمعيشية يسير بسرعة كبيرة، ولا قدرة لاحد ان يلحق به ما لم يستعن بالقدرات الخارجية، والجميع بانتظار قرار الخارج كيفية التعاطي مع الوضع الحالي، وهل سيكون عبر استمراره على الوتيرة نفسها اي الابقاء على لبنان في غرفة العناية المركزة دون السماح له بالتعافي او بالموت؟ ام عبر شموله سريعاً بالتسوية التي تتحضر، على اسس تقسيم النفوذ بطريقة ترضي الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية وروسيا وفرنسا؟ ام عبر فرض حلّ يسبق هذه التسوية التي قد تأخذ بعض الوقت لبلورتها، عبر حدث أمني او مالي يخرق السقف المحدّد ويؤدّي الى وضع حدود لهامش تحرك اللاعبين المحليين والحدّ من خياراتهم ودفعهم الى قرار وحيد لا يمكن الرجوع عنه؟.
وهذا الامر يعني ان الجميع في لبنان ينتظر عامل الوقت، فهل سيكون سريعاً ام سيمّر بطيئاً ويستنزف ما تبقى من قدرة اللبنانيين على التحمل؟.