منذ ما قبل موعد الإنتخابات الرئاسية السورية كانت الشغل الشاغل على المستوى اللبناني، ليس بسبب تنظيمها في السفارة في بيروت بل أيضاً لأن العديد من الأوساط كانت تعتبر أن معالجة بعض الملفات اللبنانية تتطلب الإنتهاء من هذا الإستحقاق، الذي يأتي على أبواب مرحلة جديدة في المنطقة، عنوانها الأساسي التفاهمات والمشاورات بشكل عام وعودة الإنفتاح على سوريا بشكل خاص، وهو ما كان قد بدأ من خلال التبدلات التي طرأت على مواقف بعض الدول العربية.
في المشهد العام، بدأت عملية الإقتراح منذ الساعة السابعة من صباح اليوم، حيث كان السفير علي عبد الكريم علي من أوائل المقترعين، واللافت كان التنظيم الذي يختلف عن الإنتخابات الماضية التي حصلت في العام 2014، التي كانت قد شهدت فوضى كبيرة، حيث تشير المسؤولة عن الشؤون الإعلامية في السفارة منال عين ملك، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه كان هناك الجهد الكبير لتفادي ما حصل حينها، بالإضافة إلى إحترام الإجراءات المتبعة في مواجهة فيروس كورونا المستجد.
بعد وقت قصير على فتح صناديق الإقتراع، كانت أعداد الناخبين قد بدأت بالإرتفاع، لكن على مدخل السفارة كان هناك تركيز على عدم إدخال أكثر من 50 شخصاً دفعة واحدة، على وقع الأناشيد الوطنية السوريّة والهتافات المؤيدة للرئيس بشار الأسد، في مشهد يوحي على أن ما يحصل هو إستفتاء شعبي أو مبايعة أكثر من إنتخابات، في حين كانت بعض الطرقات تشهد إشكالات مع الناخبين المتوجهين إلى السفارة.
وتلفت عين ملك إلى أن عملية التنظيم كانت قد بدأت منذ أكثر من شهر، وهي اليوم تبدأ من مراكز التجمع في المناطق وصولاً إلى السفارة، وتؤكد على التعاون الكامل مع الأجهزة اللبنانية، وتوضح أن عملية الإقتراع لا يجب أن تأخذ أكثر من دقيقة ونصف بسبب التنظيم الحاصل.
في هذا الإطار، كانت رابطة العمال السوريين في لبنان قد لعبت دوراً أساسياً في تنظيم مشاركة السوريين في هذا الإستحقاق، حيث يوضح رئيسها مصطفى منصور، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الرابطة عملت منذ البداية على إحصاء المواطنين الذين يحق لهم الإقتراع، أي الذين هم فوق 18 عاماً، منذ شهرين تقريباً، لكنه يشير إلى أن محاولات العرقلة كانت قد بدأت منذ ذلك الوقت، حيث يكشف عن تهديدات تعرض لها بعض النازحين من قبل جهات لبنانية بإحراق مخيماتهم في حال المشاركة في الإنتخابات.
إنطلاقاً من ذلك، يضع منصور، الذي يؤكد أنه حتى هو شخصياً تلقى إتصالات تهديد من أرقام غريبة بعضها تركي، الإشكالات التي حصلت في بعض المناطق في سياق محاولات عرقلة العملية الإنتخابية، ويشدد على أن معالجة أزمة النازحين وتأمين عودتهم إلى بلادهم، التي كانت العنوان الأساسي لتحريض بعض القوى اللبنانية، من المفترض أن تتم بالتنسيق بين الدولتين، ويضيف: "معالجة هذه المسألة مصلحة لبنانية سورية مشتركة ودمشق ترحب بعودة كل أبنائها".
في هذا السياق، لم تكن بعض القوى السياسية اللبنانية الحليفة لسوريا بعيدة عن هذا الإستحقاق، وهو ما تأكد من خلال الدور الذي لعبته طوال الفترة الماضية، إلا أن عضو قيادة حزب "البعث" أحمد خضر عثمان يؤكد، في حديث لـ"النشرة"، أن الدور الأساسي كان للسفارة والرابطة، ويشير إلى أن دور الأحزاب كان تحفيز السوريين على المشاركة في هذا الإستحقاق وممارسة حقهم في الإنتخاب.
ويلفت عثمان إلى أنه من الطبيعي أن يدعو الحزب إلى إنتخاب الرئيس الأسد، لا سيما أنه أمين عام الحزب، ويشير إلى أهمية التعاون بين الدولتين لمعالجة الملفات العالقة، والتي يأتي على رأسها ملف النازحين، ويضيف: "الجانب السوري يعمل بكل جهد على هذا الملف، لكن التقصير هو من الجانب اللبناني".
من جانبه، كان السفير السوري متفائلاً بزيادة نسبة الإقبال منذ الساعات الأولى الأمر الذي فرض تمديد مهلة الإقتراع حتى منتصف الليل، حيث يؤكد، في حديث لـ"النشرة"، أن المشاركة في الإنتخابات هي تعبير من السوريين عن حبهم لبلادهم التي كانت مركز آمان وإكتفاء لهم، ويشير إلى أنهم في جميع أماكن اللجوء يعيشون بظروف أقل من تلك التي كانوا يعيشون فيها في وطنهم، ويضيف: "هم يعيدون اليوم بحنين بعد أن تحررت غالبية الأراضي السورية وباتت تحت سيطرة الدولة، وهذا الإقبال تعبير عن رغبتهم بالعودة"، ويشدد علي على أن سوريا راغبة في عودة أبنائها إليها وليس كما يقول البعض أنها لا تريد ذلك أو تضطهدهم أو تعتقلهم.
ويعتبر السفير علي أن الأرقام المتواضعة التي تقدمها المنظمات الدولية للنازحين من الممكن أن تصبح قيمتها 10 أضعاف في حال قدمت لهم في الداخل السوري، ويطالب العالم بأن يبارك هذا التوجه لا سيما أن الوجود السوري الحالي يشكل عبئاً على لبنان، ويدعو إلى التعاون والتنسيق كي يعود السوريون إلى وطنهم.
في المحصلة، هو إستحقاق سوري بالدرجة الأولى لكنه لم يكن بعيداً عن الواقع اللبناني، بسبب المواقف المعروفة من قبل معظم الأفرقاء المحليين، الأمر الذي ساهمت في تظهيره بشكل أوضح الإشكالات التي وقعت على بعض الطرقات.