بعد يومين على تقديمه طلب اعفائه من مهامه ومسؤولياته في وزارة الخارجية والمغتربين، لا يزال الوزير السابق شربل وهبه يتعرض لاقسى انواع الشتائم والانتقادات اللاذعة وحتى الشخصية، ليس من قبل السعوديين ولا من قبل الخليجيين، بل من قبل... لبنانيين. لا احد ينكر ان وهبه وقع في المحظور، واخطأ بشكل كبير في الشكل (لم يكن من المفروض عليه القبول بالظهور مقابل شخص لا يتمتع بصفة دبلوماسيّة، ولو كانت حلقة غير مباشرة)، وفي المضمون (قال كلاماً غير مقبول ان يصدر عن رئيس الدبلوماسية اللبنانية، كما انه من غير المقبول ان ينفعل تحت اي ذريعة كما حصل)، ولكن للحدث كلام آخر.
لا يزال وهبه لبنانياً، وهو اعترف بخطئه ودفع ثمنه غالياً، اذ لا ننسى انه يملك في جعبته مسيرة دبلوماسية. ليس من الظلم ان يدفع وهبه ثمن ما قام به، انما من الظلم ان يدفع الثمن بطريقة غير دبلوماسية، اي بطعنه من قبل لبنانيين ليس لشيء، سوى لاسترضاء السعودية من اجل مصالح شخصية بطبيعة الحال، مع الاصرار على اللعب على وتيرة اللبنانيين في المملكة السعودية الذين يعملون ويستثمرون اموالهم هناك. عند هذا الحد، يجب لفت النظر الى انه لا يمكن السكوت عن هذه "المصيبة"، ولو توقف هؤلاء الذين تسابقوا للجلوس في "خيمة" السفير السعودي في لبنان، لكانوا ادركوا انهم يؤذون انفسهم اولاً، لان هذه الطريقة تجعل السعوديين وغيرهم يتعاملون معهم من باب عدم الاحترام، ويتطلّعون اليهم بنظرة فوقيّة، ويفرضون عليهم ما يشاؤون.
وللتذكير فقط، فإنه عندما تحدث الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب عن اتصاله بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، قال بسخرية انه طلب من الملك ان يدفع الاموال ثمناً للحماية الاميركية والا لن يصمد اسبوعين. اليس في ذلك تعرّض للعاهل السعودي وللمملكة؟ لم نسمع في حينه اي تهديد من السعودية بطرد الاميركيين ولا بالتشديد عليهم، ولم نسمع اميركياً واحداً شتم رئيس بلاده حتى من أشدّ المعارضين له سياسياً. وفي مثال آخر، كيف كانت ردّة فعل السعوديين على الاتراك حين قال الرئيس التركي رجب طيب اردغان بشكل واضح انه اذا لم يعلم ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان منقتل الصحافي جمال الخاشقجي، فمن يعلم؟ اليس في ذلك اتهام لولي العهد بإخفاء معلومات على الاقل؟ هل تم التهديد بطرد الاتراك من السعودية؟ وهل تعرّض تركي واحد لاردوغان بسبب هذا الكلام؟ طبعاً لا. حين كان رئيسالحكومة المكلف حالياً (والاصلي سابقاً) سعد الحريري محتجزاً في السعودية، كانت غالبية الشخصيّات التي امّت السفارة السعودية بالامس، هي نفسها التي انتقدت المسؤولين السعوديين ولو من دون تجريح، ورفضت ان يساق اللبنانيون كـ"الغنم" وعملت كل ما في وسعها لضمان عودة الحريري الى لبنان، وهو العمل الصائب والصحيح. فهل حين تكون الامور شخصية تسقط الصفات الايجابية للمملكة، وهل حين يصبح المعنيون بعيدون عن الموضوع تتغيّر صفات المملكة؟.
من المنصف القول انه لم يصدر عن السعودية أيّ تهديد للبنانيين بالطرد او بالتضييق عليهم، ولكن كل هذا الكلام كان من لبنانيين خافوا على مصالحهم واموالهم واعتبروا انه بالتعرض لشخصيّة وهبه والمسؤولين اللبنانيين والتجريح بهم سيكسبون ودّ السعودية والمعنيين فيها، فيما الواقع انهم قد يكونوا امّنوا على اموالهم واعمالهم، الا انهم عرّضوا كرامتهم الشخصية للتشكيك. ليس المطلوب عدم محاسبة وهبه على ما صدر عنه، وهو قد تحمل المسؤولية كاملة، ولكن هل المطلوب في المقابل الاستمرار في طعنه والمسؤولين اللبنانيين بسكاكين لبنانية وبشكل مجّاني لاسترضاء السعودية؟ وهل يقتنع اللبنانيون فعلاً ان انسباءهم ورفاقهم في المملكة يعيشون على المساعدات الماليّة؟ الا يعملون بجدّ واجتهاد لتحصيل لقمة عيشهم وتحسين الوضع، الا يعتمد عليهم السعوديون في هذا المجال؟ الم يستثمر لبنانيون مليارات الدولارات في مشاريع فيالسعودية؟ اليسهذا ما يسمى بالمصالح المشتركة ومصلحة الطرفين؟ فلماذا تصوير الامر على انه استعطاء؟ انه عمل بموافقة طرفين، ولم نسمع مرّة بطرد رعايا اجانب من بلد آخر الا في حال الحرب، فهل تم اعلان الحرب بالفعل؟ فليعد كل شخص الى رشده ولتوضع الامور في نصابها الصحيح، ولتحفظ الكرامات كلها، لانّ اذلالها لا يعود بالفائدة على احد.