وضعت الحرب الاسرائيليّة أوزارها على فلسطين التي حققت بكل مناطقها وانتماءاتها انتصارا، بعد الصمود العسكري والشعبي في غزة، ومنع محاولات تدنيس المسجد الاقصى واخلاء حي "الشيخ جراح" في القدس ومنع تهويدها والمواجهات في الضفة وفي اراضي الثمانية والاربعين، حيث أثبتت معادلة جديدة بان الشعب الفلسطيني موحد في الداخل والخارج والشتات واماكن اللجوء وحيثما وجد اللاجئ تحت الشمس.
وأبلغت مصادر فلسطينية مسؤولة لـ"النشرة"، ان الاهتمام يتركّز على اربعة محاور اولا: استثمار هذا الانتصار لجهة اعادة بناء ما دمره العدوان الاسرائيلي على غزة والعمل على رفع الحصار عنها بعد سنوات طويلة، وثانيا: الحفاظ على الانتفاضة الشعبية في الضفة وتوفير مقومات صمودها وانتصارها، وثالثا: تعزيز الوحدة الفلسطينية وطي صفحة اي خلاف جديد على خلفية تأجيل الانتخابات التشريعية بسبب عدم سماح قوات الاحتلال للمقدسيين المشاركة فيها ورابعا: استكمال ترتيب البيت الفلسطيني واعادة تفعيل مؤسسات "منظمة التحرير الفلسطينية" الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وامتدادا الى الساحة الفلسطينية في لبنان، فان نجاح جعلها استثنائية لا تنعكس عليها اي خلاف يتطلب المضي قدما في تعزيز الوحدة الوطنية والتلاقي عبر تفعيل "هيئة العمل المشترك" في لبنان، التي تعتبر المرجعية السياسية والامنية والشعبية للمخيمات الفلسطينية، والتي تضم مختلف الاطر سواء في فصائل "منظمة التحرير" وعلى رأسها حركة "فتح" او "تحالف القوى" بما فيها حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" او "القوى الاسلامية" او "انصار الله"، والدفاع عن القضية في ظل استمرار محاولات تصفيتها وخاصة حق العودة على غرار "صفقة القرن" الاميركية.
ويؤكد عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الديمقراطية" ومسؤولها في لبنان علي فيصل لـ"النشرة"، ان الانتصار الفلسطيني يجب ان يعطينا حافزا جديدا ودافعا قويا لتقريب المسافات بين كل القوى، وتسريع اعادة تفعيل "الهيئة"، بهدف الدفاع عن قضايا اللاجئين والمطالبة بتحسين خدمات "الاونروا" بعد التقليص والتقصير المزمنين، والحفاظ على أمن واستقرار المخيمات في ظل تفاقم الازمة اللبنانية ومنع اي استغلال او توتير، وهذه مهام اساسية على القوى الفلسطينية ان تتصدى لها بمسؤولية عالية.
ويعتبر فيصل، ان الشعب الفلسطيني دفن والى غير رجعة "صفقة القرن" بجميع عناوينها خاصة ما يتعلق بالفصل بين الضفة وغزّة واراضي عام 1948، وأعطى رسالة واضحة بأهمية القدس ومحوريتها، اضافة الى قضية اللاجئين وحق العودة ومشاركتهم في هذه المعركة، وتأكيد حقيقة طالما دعونا لاستحضارها من زمن، وهي الاستعدادية النضالية العالية لدى كل تجمعات شعبنا، خاصة في الضفة، والحفاظ على انتفاضة شعبنا فيها وتعزيزها وتوفير التغطية السياسية لها بما يضمن تحقيق اهدافها في تعديل موازين القوى واجبار الاحتلال ومستوطنيه على الرحيل.
مفارقة كبيرة
في معركة "سيف القدس" ثمة مفارقة كبيرة، عنوانها أن المقاومة الفلسطينية هي التي أعلنت توقيتها، دفاعاً عن المسجد الأقصى، وأهالي حي الشيخ جراح وليس دفاعاً عن غزة، كما كان يحصل في الحروب السابقة، ويؤكد ممثل "حركة الجهاد الإسلامي" في لبنان إحسان عطايا لـ"النشرة"، ان استثمار هذه المفارقة على الساحة اللبنانية يأتي في تأكيد حق الفلسطيني بالعودة ورفض التوطين، أيّ أن المقاومة التي حمت القدس والاقصى باتت قادرة على حماية حقّ العودة وعدم التوطين تماشيا مع ما ينص عليه الدستور اللبناني وما يؤكده الفلسطيني مرارا وتكرار.
ويقول ان انتصار غزة يعطينا أملا جديدا لتعزيز الوحدة الفلسطينية منعا لاستخدام المخيمات في أي أجندة غير فلسطينية أو صراعات او متاهات لا تخدم القضية والشعب الفلسطيني ومشروع حق العودة وذلك عبر تفعيل "هيئة العمل المشترك" في لبنان الالتئام بأسرع وقت ممكن.
ويشدد عطايا على ضرورة الضغط باتجاه تحسين خدمات "الاونروا" والعمل على جعل موازنتها من الامم المتحدة بشكل دائم وليس تبرعات من الدول المانحة وحسب المواقف السياسية لها من القضية الفلسطينية، ويجب اطلاق حملة بضرورة ان تدفع رواتب الموظفين الاجانب فيها من دولهم وليس من موازنة "الاونروا" لانها مبالغ كبيرة، ناهيك عن مصاريفهم والموازنات الخاصة بهم.
ويدعو عطايا الى تشكيل ملتقى للنشطاء الفلسطينيين في لبنان بعدما أفرزت معركة "سيف القدس" أعدادا كبيرة منهم، يشكلون حلقة ضغط فاعلة الى جانب القوى السياسية والشعبية لتأكيد المطالب المحقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي او المساهمة في تنظيم نشاطات وفعليات ترفع الصوت الفلسطيني في هذا الاتجاه بدلا من اليأس والاحباط والتوجه الى المطالبة باللجوء الانساني وغيره.
ويؤكد عطايا على اهمية اقامة توأمة او تآخي بين العائلات في الداخل الفلسطيني والخارج سواء كانت فلسطينية او لبنانية او عربية، بهدف دعمها ماديا ومعنويا ومساعدتها على مقاومة شظف العيش وخاصة في غزة والقدس امام غول الاستيطان الاسرائيلي.
البوصلة فلسطين
وكشفت معركة "سيف القدس" ايضا عن ان بوصلة الفلسطيني لم تتغير نحو وطنه الأم، رغم كل محاولات حرفها، وانه على استعداد للتضحية وتقديم الدماء رخيصة في سبيل العودة او نصرة ابناء جلدتهم بالزحف نحو الحدود الجنوبية كتأكيد على وحدة الشعب والمصير والمسار، وفق ما يقول عضو المكتب السياسي لـ"جبهة التحرير الفلسطينية" صلاح اليوسف، مضيفا "ان أهم ما حققه هذا الانتصار وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وساحات الشتات، فيما التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا من شهداء وجرحى اعادت الى القضية الفلسطينية مركزيتها وقوة حضورها في العالم كقضية عادلة لشعب احتلت ارضه بالقوة وهجر منها منذ 73 عاما وما يزال يناضل من اجل العودة.