في 22 تشرين الأوّل من العام 2020، تمّ تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري بتشكيل حُكومة جديدة، وذلك بأغلبيّة نيابيّة طفيفة(1)، واليوم وبعد مُرور سبعة أشهر بالتمام والكمال، ما زلنا ندور في الحلقة المُفرغة نفسها! فهل يُمكن أن يستمرّ الشلل حتى نهاية العهد الرئاسي، كما تردّد لدى بعض الأوساط في بداية تعثّر التشكيل؟ وهل يُمكن أن يصمد اللبنانيّون حتى محطّتي الإنتخابات النيابية والرئاسيّة المُقبلتين، وهم يُعانون الأمرّين من الإنهيار الحاصل والذي يتسارع أسبوعًا بعد أسبوع وحتى يومًا بعد يوم؟!.
بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه بعد طيّ محطّة الرسالة التي وجّهها رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون إلى مجلس النوّاب، والتي حاول من خلالها تغيير الواقع القائم، تبيّن أنّ التموضعات السياسيّة التي رُسمت عشيّة تكليف الحريري، لا تزال قائمة حاليًا من دون تغيير يُذكر. فكتل كلّ من "التيّار الوطني الحُرّ" وحزب "القوّات اللبنانيّة" و"حزب الله" التي لم تمنح رئيس الحكومة المُكلّف أصواتها قبل سبعة أشهر، لا تزال اليوم عند موقفها السابق، بينما المجموعات النيابيّة التي كانت قد منحته ثقتها، أيّ كل من "تيّار المُستقبل" و"حركة أمل" و"الحزب التقدّمي الإشتراكي" و"تيّار المردة" و"الحزب السُوري القومي الإجتماعي" وحزب "الطاشناق" و"كتلة الوسط" وبعض النوّاب المُصنّفين مُستقلّين، لا تزال بدورها عند موقفها! وبالتالي كلّ المُؤشّرات تدلّ على أنّ هذا الإنقسام مُرشّح للإستمرار في المرحلة المُقبلة، علمًا أنّ هذه التموضعات تتجاوز ملفّ الحُكومة، وهي تُظهّر نوعًا من التحالفات السياسيّة المُقبلة بعيدًا عن الإنقسام السياسي الَعمودي الذي كان سائدًا في مرحلة قوى "8 و14 آذار".
نعم، في حال لم يعمد أيّ فريق سياسي أساسي إلى تبديل تموضعه الحالي بشكل جذري في المُستقبل، ستبقى الأمور عالقة على مُستوى عمليّة التشكيل، لأنّ المُؤشّرات تدلّ على أنّ الفريقين الرئيسَين المُتنافسين، أيّ تيّاري "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ" يتمسّكان بموقفيهما، والأفرقاء الأخرى باقية أيضًا على مواقفها، حيث لا حزب "القوات" في وارد الدُخول إلى الحكومة لحلّ عُقدة التمثيل المسيحي، ولا رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وكلّ القوى التي تجمّعت تحت مظلّته(2) في وارد سحب ورقة الدعم من يد الحريري لإرغامه عندها على التنحّي، ولا "حزب الله" في وارد الخروج من موقفه الرمادي الذي يذهب البعض إلى حدّ وصفه بتوزيع أدوار مُخطّط له مع "حركة أمل"، حيث أنّ "الحزب" ليس في وارد الضغط على النوّاب الذين يَدورُون في فلكه لتجريد الحريري من الأغلبيّة العدديّة الطفيفة التي يتمتّع بها! أكثر من ذلك، إنّ الإهتمامات الإقليميّة والدَوليّة لا تشمل لبنان ضُمن أولويّاتها، لبلّ تضعه في مرتبة مُتأخّرة في هذه المرحلة، ما يعني أنّ حركة بعض المُوفدين ونتائج بعض الإتصالات وفرض بعض العُقوبات، إلخ. لن يُغيّر في المشهد القائم محليًا. من جهة أخرى، ليس بسرّ أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" يدرس حاليًا كل الخيارات المُتاحة لمُحاولة الخروج من هذه الدوّامة، ومن بين الإقتراحات المُتداولة داخليًا لديه، إمكان عقد طاولة حوار في القصر الجمهوري لإشراك الجميع في الحلّ ولإحراج الحريري، وإمكان رفع الصوت مُجدّدًا للمُطالبة بتعديل الدُستور لسدّ ثغرة التأليف المَفتوحة، وُصولاً حتى إلى إحتمال مُلاقاة دعوة حزب "القوات" للإستقالة من مجلس النواب في مُحاولة لقلب الطاولة على الجميع!.
وسط هذه الأجواء، الخشية كبيرة من أن يستمرّ هذا الفراغ الخطير على مُستوى السُلطة التنفيذيّة لمزيد من الوقت، علمًا أنّ مسألة تشكيل حُكومة جديدة ستُصبح قريبًا غير مُهمّة، لأنّ أيّ حكومة تحتاج أقلّه لمئة يوم لتبني مداميك خُططها للتحرّك، والمزيد من التأخير يعني عمليًا الوُصول إلى مرحلة الإنتخابات النيابيّة التي تُصبح في ختامها أيّ حُكومة بحُكم المُستقيلة، حيث يُفترض أن تجري هذه الإنتخابات بعد سنة واحدة من اليوم، ناهيك عن أنّ موعد الإنتخابات الرئاسيّة المُحدّد في خريف العام المُقبل، لم يعد بدوره بعيدًا. والأسئلة التي تفرض نفسها هنا، هي: كيف ستصمد الدولة اللبنانيّة لمزيد من الوقت من دون حُكومة تملك خُطة إنقاذيّة واضحة، ومن دون مُساعدات ماليّة عاجلة، في ظلّ تراجع إيراداتها بشكل خطير؟ وكيف سيصمد الشعب اللبناني لمزيد من الوقت، في ظلّ إنهيار قُدرته على توفير الضروريّات الأساسيّة للحياة اليوميّة، ناهيك عن تنامي البطالة وغياب فرص العمل وتهالك قيمة الرواتب بالعُملة الوطنيّة وفُقدان المواد الأساسيّة من بنزين ومازوت وأدوية، وغيرها؟.
في الخُلاصة، إنّ القوى السياسيّة–وعلى الرغم من كل ما حصل، لا تزال تتصرّف وفق حسابات سياسيّة وحزبيّة وطائفيّة ومذهبيّة وشخصيّة ضيّقة، بينما أغلبيّة الناس تأنّ تحت وطأة الأزمة بحثًا عن مخرج مًفقود من النفق المُظلم الذي تعيشه. والمُحزن أكثر أنّ جزءًا لا يُستهان به من اللبنانيّين، لا يزال مُتقوقعًا بتفكيره الذي يُبرّئ "زعيمه" ويُحمّل كل المُوبئات للآخرين، الأمر الذي يُساعد في دوره في بقاء الأمور كما هي من دون تغيير في المدى المَنظور!.
(1) صوّت لصالح التكليف 65 نائبًا وإمتنع 53 نائبًا عن تسميته، في حين تغيّب نائبان عن الجلسة، علمًا أنّ مقاعد المجلس الباقية كانت شاغرة بالإستقالة في حينه.
(2) من بينها "الحزب التقدمي الإشتراكي" الذي يُحاول رئيسه التمايز إعلاميًا بين الحين والآخر.