في ظل الواقع المعيشي الصعب الذي يعاني منه جميع المواطنين، كشفت أحداث الاسبوع الماضي عن المصير الذي ينتظرهم، في حال إستمرار الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية على ما هو عليه اليوم. وفي الوقت الذي كانت مئات الآلاف من السيارات تصطفّ للحصول على كميات محدودة من مادة البنزين، على سبيل المثال، كان أعضاء المجلس النيابي يناقشون رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون، المتعلقة بأزمة التأليف، لكنهم فشلوا في الخروج في أيّ قرار واضح.
على الهامش، كانت البلاد تشهد حادثين أمنيين خطيرين: الأول ما حصل مع مجموعات من النازحين السوريين كانوا في طريقهم للمشاركة في الإنتخابات الرئاسية السورية في سفارة بلدهم، أما الثاني فكان التوتر الذي حصل بين "الحزب السوري القومي الإجتماعي" وحزب "القوات اللبنانية"، على خلفية هتاف ردّد من قبل أنصار الأول خلال مهرجان في شارع الحمرا بمناسبة عيد المقاومة والتحرير.
في هذا السياق، تكشف مصادر أمنيّة، عبر "النشرة"، أن إنعكاسات الأوضاع المعيشية على الواقع الأمني كانت قد بدأت منذ أشهر، لناحية ارتفاع الأحداث الأمنية المتعلقة بالظروف الإقتصادية والإجتماعية، لا سيما تصاعد معدلات السرقة على نحو كبير، لكنها تشير إلى أن التوترات الأمنية ذات الطابع السياسي كانت هي الطاغية في الاسبوع الماضي، نظراً إلى أن الأجواء باتت مشحونة إلى حدّ بعيد، الأمر الذي يتطلب معالجة سريعة قبل فوات الآوان.
في هذا السياق، تشدّد هذه المصادر على أن تشكيل الحكومة هو مفتاح الحل، خصوصاً أنها ستكون مؤشراً على مرحلة من التهدئة باتت البلاد بأمس الحاجة إليها، لكنها لا تتردد في الحديث عن أن بعض التوترات قد تكون من العدّة الإنتخابيّة التي تستخدمها بعض الجهات السياسية لشد عصب جمهورها، كما حصل في ما يتعلّق بالسجال الذي حصل بين "القومي" و"القوات"، حيث كان ممكنا تجاوز ما حصل بكل سهولة، لا سيما أن الهتاف الذي رُدِّد ليس وليد اليوم بل يمكن القول أنه من مخلفات الحرب اللبنانية.
وفي حين تؤكّد المصادر نفسها أنّ معالجة التوترات السياسية قد تكون أسهل من الأحداث الأمنيّة الناتجة عن الأوضاع المعيشيّة، نظراً إلى أنّ الأولى تعالج عادة بالسياسة خصوصا أن ليس هناك من توجه لدى أيّ جهة بالذهاب إلى التصعيد غير المحدّد السقف، تلفت إلى أن الثانية من المرجح أن تزداد أكثر طالما أن الحلول لا تزال غائبة، مع إستمرار الحديث عن التوجّه إلى رفع أو ترشيد الدعم، بينما القوى الأمنيّة والعسكريّة تعاني ما تعانيه من تداعيات الأزمة.
على المستوى السياسي، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن كل ما يحصل في الوقت الراهن يأتي في إطار تمرير الوقت، بدليل النتيجة التي خلصت إليها جلسة مجلس النواب الماضية، حيث كان من الواضح أن هذا المجلس، بما يتضمّنه من قوى سياسية، عاجز عن القيام بأيّ مبادرة، في حين أنّ كل المشاورات والإتّصالات الأخرى غير قادرة على إنضاج حكومة في وقت قريب، وتسأل: "هل يظن من سمع كلمة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في الجلسة أن من الممكن الوصول إلى تسوية في وقت قريب"؟.
من وجهة نظر هذه المصادر، الواقع الراهن يؤكد أن لبنان هو بإنتظار إعادة ترتيب الأوضاع على مستوى المنطقة، حيث تعقد جولات من المفاوضات على مستويات مختلفة، إلا أنها تؤكد أن نتيجتها لن تكون في وقت قريب بل على أقل تقدير في نهاية فصل الصيف، الأمر الذي كان يرجّح التعامل معه من خلال الذهاب إلى تسوية مرحلية أو إلى إعادة تعويم حكومة تصريف الأعمال بطريقة أو بأخرى.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها أنّ الحلّ اللبناني لن يكون قبل وضوح صورة المنطقة، لا سيّما أنّ الأفرقاء المحليين ذهبوا في مواقفهم إلى مستويات لم يعد من السهولة في مكان التراجع عنها، لكن ما يقلقها، على ضوء ما حصل في نهاية الاسبوع الماضي، هو التهوّر لدى البعض، خصوصاً أنّ البلاد دخلت عملياً مرحلة التحضير للإنتخابات النّيابية المقبلة، التي يحتاج فيها كل فريق إلى الخطابات التصعيديّة التي قد تزيد من حدّة الأزمة.