لم يعد خافياً على أحد أن عدداً كبيراً من الأراضي في لبنان بيعت الى الأجانب، ولكن لم يكن أحد ليظنّ أن عملية بيع الاراضي ستمتدّ الى الأوقاف الخيريّة، فتحت جناح محكمة الأوقاف الذرية بيعت مئات آلاف الأمتار بطريقة غير شرعية وتحديداً في دير مار يوسف الحرف في درعون حريصا!.
القصّة بدأت في صيف 2018 عندما إنتشر خبر بيع العقارين حيث أنشِئ عليهما نادي الشباب الرياضي في درعون حريصا وهما تابعان لوقف دير مار يوسف الحرف في المنطقة المذكورة،ومساحتهما أكثر من الفي متر مربع. تقول المصادر إنه "شُكّل وفد يومها من أهالي البلدة وفعالياتها وتوجّهوا الى راعي أبرشية جونيه حالياً المطران نبيل العنداري كونه الولي على وقف الدير الذي يعود لآل انطين من درعون وتم التأكيد على عدم بيع الارض".
قرار المحكمة الابتدائية
هذه الحادثة التي لم تنتهِ عند هذا الحدّ، فتحت الأعين على مصير عقارات وقف دير مار يوسف الحرف الخيري الذي يضمّ أكثر من مئة عقار في درعون وحريصا ووطى الجوز ورعشين وفيطرون وبيروت وغيرها. وتشير المصادر عبر "النشرة"الى أنه "وفي سنة 1989، تقدم وكيل دير مار يوسف الحرف في درعون فكتور انطين بدعوى أمام المحكمة الابتدائية في جبل لبنان الغرفة الناظرة بالقضايا التي كان يرأسها القاضي طنوس مشلب بطلب اعتبار الوقف ذريا وليس خيريا خالصا، الى طلب الحل والتصفية، لأن عقارات الوقف بحالة خراب، الا أن المحكمة برئاسة القاضي مشلب اصدرت قرارا حاسماً بردّ الدعوى واعتبار أن الوقف خيري وليس ذرياً ما يعني أنه يمنع بيع هذه الاراضي ولا بأي شكل".
"عاد فكتور انطين واستأنف الحكم المذكور". كما أكّدت المصادر، مشيرة الى أن المحاكمة سارت وكادت تنتهي بتصديق الحكم الابتدائي إلا أنّ المطرانية والوكيل العائلي فكتور انطين الذي حضر خصيصا من الارجنتين اتفقا على مصالحة "غريبة عجيبة" كما وصفتها المصادر،اعتبر بموجبها الوقف مختلطاً بين خيري وذري وحصّة الوقف تكون 60% بينما حصّة العائلة تكون 40% واختلفت النسبة بين منطقة عقارية وأخرى.
مصالحة على الاوقاف!
في المصالحة التي عقدت "طارت" نصف أراضي الوقف التي باتت صالحة للبيع كونها تحولت الى وقف ذري، وتشرح المصادر أن "المطران العنداري لا يستطيع بيع الارض (لأنّه الولي عليها) أو يتنازل عنها، كما أن قانونالعقوبات المادة 672 منه تعاقب الولي الذي يسيء الادارة عندما يكون ولياً على الوقف، وبالقانون أيضاً لا يحقّ للمطران التنازل عن عشرات عقارات الوقف دون أن تجيز له سلطة الولاية أي البطريركيّة المارونيّة ومن ثمّ روما كذلك... والسؤال الأهمّ هل حصل ذلك"؟.
مخالفة المحكمة الذرية
بعد اتمام المصالحة احيل الملف في شقّه الذري الى المحكمة الخاصة للاوقاف الذرّية التي يرأسها القاضي جان فهد. وتلفت المصادر الى أنّ "الوكيل العائلي طلب بواسطة وكيله القانوني تنفيذ المذكّرة التنفيذيّة المذكورة، متذرعاً بحالة الخراب وانعدام الغلال وكذلك فعل وكيل المطرانية، وهكذا سارت محكمة الاوقاف الذرّية برئاسة القاضي فهد بالحلّ والتصفية بدون وجود قرار صريح بهذا الأمر وتحديد المستحقّين من المحكمة المدنيّة". وهنا تشير المصادر الى أن "القاضي فهد وبالقرار الذي سار به خالف المادة 34 من قانون انشاء محكمة الاوقاف تاريخ 10/03/1947 التي تؤكد أن المحكمة المدنية حصرا تقرر انهاء الوقف وتصفية الحقوق المترتبة عليه وتحديد المستحقين.
تحديد المستحقين
تضيف المصادر: "بالرغم من أنه ثابت قانوناً أن لا صلاحية لمحكمة الاوقاف بالحلّ والتصفية، ولا بتحديد المستحقين، مضى القاضي فهد محدّدا مستحقين جميعهم في الارجنتين منذ عشرات بل مئات السنين ومنهم من لا يحمل الجنسيّة اللبنانيّة الا منذ ثلاثة سنوات تقريباً"، لافتة الى أنه "بعدها دارت "معركة" لدى محكمة الاستحقاق حيث تقدمت المحامية باتريسيا دكّاش بادخال مستحقّين جدد لم يكن لهم أيّ وجود في الدعاوى المدنيّة ولا في قرار الاستحقاق الاول، وبعد تبادل اللوائح وتشكيل الخصومة معها، وبعد استفاضة في المنازعة قررت محكمة الاوقاف قبول ادخال موكليها في مجموعة المستحقّين، وهذا واضح في قرار الاستحقاق، فيكون ما يرد في القرار بأنه "طالما لا يوجد نزاع حول الاستحقاق فيمكن لمحكمة الاوقاف السير بالحلّ والتصفية وتحديد المستحقّين" هو غير صحيح وغير قانوني".
ضرب "الصلاحية" والمخالفات؟
تذهب المصادر أبعد من ذلك لتتحدث عن ضرب "للصلاحية" في أعمال القضاة والمحاكم،إذ لا يمكن لأي شخص أو لأي متقاضين أن يفوّضوا أيّ قاض أو محكمة بالفصل في نزاع ما أو اتمام أمر معين ما لم يكن ذلك من اختصاص هذا القاضي أو تلك المحكمة، كما لا يجوز للقاضي بذريعة أن المتقاضين طلبوا منهذلك، أي الفصل في أمر ليس من اختصاصه".
بالخلاصة، الوقف الخيري لا يُمكن أن يباع الى أفراد إلا بموجب إذن من الفاتيكان، والمصالحة التي تمّت وتمّبموجبها تحويل نصف الاراضي من خيريّ الى ذريّ بموجب توقيع من المطران فقط حتى دون التصديق عند كاتب العدل، ودون أن ترفق بإذن رسمي من البطريركية ومن ثم روما يحتاج الى توضيح من المعنيين!.
كذلك لا صلاحية لمحكمة الاوقاف الذرّية لا بحلّ الوقف ولا تصفيته ولا بتحديد مستحقين، وذلك وفقاً للمادة 34 من قانون انشاء المحكمة الذرّية وعلى ما هو ثابت في القرار رقم 3/73 الهيئة العامة لمحكمة التمييز والقرار رقم 6/74 محكمة جبل لبنان الغرفة الاولى. وبالتالي يكون قرار القاضي فهد بالسير بالحلّ والتصفية وتحديد مستحقين رقم 18/2017 باطلاً.
تذهب المصادر أبعد من ذلك لتؤكّد أنّه "باطل تحديد مستحقّين في المهجر ولدوا هناك وهاجر أهلهم منذ مئات السنين ولا يحملون الجنسيّة اللبنانيّة، لأن صكّ الوقفية تالياً في القيود العقارية تنصّ على أن ريع الوقف يعود لآل انطين في درعون، فأبدل القاضي فهد حرف الجر "في" بـ"من" حتى يستطيع البيع الى من هم خارج البلاد بينما المقصود بـ"في" أن يكونوا متواجدين في البلدة"، مشيرة ايضا الى أنّ "قرار الاستحقاق باطل لأنّ ليس هناك من قرارٍ قضائي بالحلّ والتصفية وقد جرى السير بهذا الأمر بدون قرار قضائي واضح".
"النشرة" فتحت ملف بيع ارض الوقف الخيري في دير مار يوسف الحرف في درعون وتطرقت الى موضوع المخالفات التي ارتكبتها المحكمة الذرية، فماذا عن بيع بقية العقارات في حريصا ووطى الجوز، وهل سستعرّض لضغوط لاغلاق الملفّ على غرار ما يحصل في بلد الديمقراطية حيث نخر الفساد العظام واستشرى وأصبح الخطأ فضيلة؟!.
(1) قرار المحكمة الابتدائية
(2) المصالحة بين المطرانية والوكيل العائلي
(3) تحديد المستحقين