مؤلم هو المشهد الذي نعاينه بالنسبة الى الجيش اللبناني والوضع المزري الذي وصل اليه والذي لا يليق به وبالمسؤوليات التي يتحملها، ولا بالثقة التي كسبها اقليمياً ودولياً، ولا بقدرات ضباطه وجنوده. فإذا كان الجيش هو خشبة الخلاص بالفعل، وهو كما يصفه الكثيرون "الخرطوشة الاخيرة" للبنانيين، ومحط تقدير واعجاب الخارج والاكثر استقطاباً للثقة والدعم، فلماذا وصل الى الحال التي بات عليها اليوم، وهو ينتظر التمويل والهبات من اشخاص ودول اجنبية ليتمكن من الاستمرار وتأمين ابسط مقومات الحياة التي تضمن للضباط والجنود ان يطمئنوا الى وضعهم ووضع عائلاتهم، اي الا يتشتت انتباههم وتركيزهم في المهمات الحساسة الملقاة على عاتقهم، لاعالة من هم على مسؤوليتهم. هكذا، بات على الجيش اللبناني ان يتلقى الهبات الغذائية من دولة هنا واخرى هناك، وان ينتظر الدعم من اي دولة اخرى للحصول على البنزين والفيول لآلياته، والمعدات اللازمة لصيانة المركبات، والتقديمات الطبية لتأمين الدواء.
صحيح ان الجيش هو من الناس ولا يختلف عنهم، وبما ان الناس تعاني من الاوضاع الصعبة على كل الصعد، لا بد للجيش ايضاً ان يعاني من هذه الاوضاع نفسها. ولكن، من يتحمل عندها المسؤوليات التي يتحملها الجيش؟ ماذا يحصل اذا انكشف لبنان امنياً وعسكرياً؟ من يوقف الارهابيين عند حدهم ويمنعهم من تنفيذ مخططاتهم؟ هل يقدر احد ان ينكر انه يتم "استغلال" الجيش في كل "شاردة وواردة" في لبنان وخارج نطاق واجباته، من تحويله الى وزارة شؤون اجتماعية لاحصاء الناس وتأمين وصول المساعدات اليهم بفعل انعدام الثقة بالمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وتحويله الى فوج اطفاء للمساعدة على اخماد الحرائق، وتحويله الى دفاع مدني لانقاذ العالقين واستعادة الجثامين في الاماكن الوعرة والخطرة، وتحويله الى مجموعة متطوعين تساعد في التنظيفات ورفع الردم وتنظيف الشواطىء والاحراج، وتحويله الى مفاوض لاسترداد الحقوق اللبنانية... ناهيك عن واجباته البديهية؟.
مؤلم المشهد ويحز في النفس ان الدول العربية والاجنبية تقدّر الجيش وتهب لمساندته فيما الدولة تعامله وكأنه "تحصيل حاصل" فيما حاجاته ومتطلباته تقبع في اسفل سلم الاهتمامات. اما في السياسة، فيعطى الجيش وقائده اعلى الاهتمام، فكل زيارة ولقاء يجريه العماد جوزاف عون في الداخل والخارج، يتم تسليط الضوء عليه من قبل البعض في الداخل على انه يأتي في سياق السباق الرئاسي. ليس سراً ان نسبة مثل هذه الاقوال صحيحة، ولكن ما يهم اليوم هو ما يؤمّنه قائد الجيش لهذه المؤسسة العسكرية، في وقت لم يستطع غيره تأمينه من اجل بقاء الجيش على وتيرته في العطاء والخدمة والتضحية والوفاء. لقاء العماد عون بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، نتج عنه التزام علني ورسمي فرنسي بدعم الجيش لضمان استقرار لبنان، وهو ما يعني عملياً اعتراف فرنسا ومن خلالها العالم اجمع ان المهمة والمسؤولية التي يتحملها الجيش كبيرة جداً ومن شأن فشلها، وصول لبنان الى الفلتان التام وحال الفوضى العارمة، مع كل ما يعنيه ذلك من تغييرات في هويته وصورته ودوره.
ما الهم ان بحث ماكرون مع العماد عون المسألة الرئاسية ام لا، ففي افضل الاحوال، سيكون الاستحقاق بعد اكثر من سنة، فيما العوز الذي ضرب الجيش هو آنيّ وحقيقيّ، ولا يمكن التأخير في معالجته او انتظار استفحاله لان عواقبه وخيمة. اذا التزمت دول العالم مساعدة الجيش بشكل سريع وعملي، هل من الضروري فعلاً التوقف عند امكان بحث مسألة الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ وهل الوقت يحمل التلهي بهذه المسألة على حساب استمرارية المؤسسة العسكرية؟ الرسالة الدولية لمن يهمه الامر، وفي هذا الوقت تحديداً، ليس القول ان العماد عون هو مرشح الحارج للرئاسة، فالوقت لا يزال مبكراً والاولوية اليوم ليست لهذا الموضوع، بل الرسالة مفادها انه اذا خسرنا الجيش، خسرنا لبنان.