حدثني أحد الأصدقاء عن مشكلة مادية بينه وبين قريب له، واستفاض بالحديث لدرجة لم يعد للأسرار أماكن عميقة، بل خرجت من البئر لتفجّر غضبه وردّة فعله.
"الطمع ضرّ ما نفع" هذا مثلٌ شائع في حياتنا اليومية. وقد ورد في إنجيل لوقا: «ٱنْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ ٱلطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لِأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ». واجه المسيح المشكلة الحقيقية في النزاع بين البشر، وهو الطمع في الماديات، وأعلن حقيقة واضحة أن الحياة السعيدة ليست بالمال، بل بالوجود مع الله، فلماذا محبة المال.
هذا الطمع الذي أوصل الناس للانصراف إلى التلذذ بالحياة الوقتية، والشهوة الرديئة، على حساب خلاص أنفسهم.
الطمع آفة دخلت قلب وعقل الإنسان منذ التكوين، ومازالت البشرية تدفع ضريبة الجدّين الأولين نتيجة جنوحهم إلى الطمع والشهوة، وقد ورد في سفر الخروج: "لا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لَا تَشْتَهِ ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلَا عَبْدَهُ، وَلَا أَمَتَهُ، وَلَا ثَوْرَهُ، وَلَا حِمَارَهُ، وَلَا شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ"(اَلْخُرُوجُ ٢٠: ١٧). فالطمع والشهوة وجهان لعملة واحدة.
الطمع معمم وموجود في صفوف العائلات وبين الأخوة والأقارب والأصحاب. والطمع ناتج عن الشهوة، وقد ورد في رسالة يوحنا الرسول "كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ"(رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 16). والشهوة تهدّم البيوت، سواء أتت من الرجل أو من المرأة. إلا أن الزوجة المخلصة لزوجها تحب زوجها وتتعلق به، ولكنها تتعامل مع بقية الرجال بمنتهى الود والأدب دون أن تشتهيهم. وإن اشتهتهم وسعت وراءهم فهذا يعتبر خيانة وعداوة لزوجها، والعكس صحيح.
على صعيد الوطن، يُطلعنا الإعلاميّون الإستقصائيّون يوميًا بملفات هدر وسرقة وسمسرة، وهذا نتيجة الطمع والشهوة لدى حيتان المال في لبنان، وبسبب غياب المحاسبة. ولم نشهد لتاريخه ادعاءً أو حكمًا بحق فاسد.
أما حان الوقت يا قضاة لبنان أن تحاسبوا من ساورته نفسه الطمع بالمال العام وسرقته وهدره، والإستفادة الشخصية منه لبناء ثروات طائلة على حساب تفقير الشعب واستعباده. فالمسارعة في إصدار الأحكام بحق الراشي والمرتشي، وبحق السارق والفاسد، دون استثناء أو تمييز، ودون مراعاة الطوائف والسياسيين والخضوع لهم، كفيلٌ بشعور اللبنانيين بعودة الثقة في هذه السلطة. وإلا على الدنيا السلام.
وانتم يا مَن أذللتم شعبكم وافقرتموه، اسمعوا، إذا لم تتحقق عدالة الأرض في إدانة الطامعين والفاسدين، والذين اشتهوا خيرات الناس الطيبين ونهبوها، نقول لكم: عدالة السماء لن ترحمكم، بل ستدينكم أنتم وكل ذريتكم والمنتفعون منكم، دنيا وآخرة.
ومع بولس الرسول نردد: "وَأَمَّا ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْعَطَبِ وَٱلْهَلَاكِ"(تِيمُوثَاوُسَ ٱلْأُولَى ٦: ٩).