مُنذ القدم يتمّ ربط مُختلف الإستحقاقات المُهمّة في لبنان بمحطّات إقليميّة ودَوليّة، قبل أن تمرّ مواعيد هذه الإستحقاقات وتبقى الأزمات قائمة في لبنان! وهذا بالفعل ما حصل ويحصل في الملف الحُكومي الذي لا يزال مُتعثّرًا حتى إشعار آخر، على الرغم من تغيّر المنطقة ككلّ. فما الذي ينتظره المسؤولون لدينا؟!.
حُكي الكثير في الماضي عن إنتظار محطّة الإنتخابات الأميركيّة، قبل أن تمرّ الإنتخابات بفوز جو بايدن على الرئيس السابق دونالد ترامب، من دون أن يتغيّر شيء في لبنان. وفي الأسبوع الماضي إنتهت محطّة الإنتخابات السُوريّة بتجديد مُتوقّع للرئيس السُوري بشّار الأسد، بعد مُنافسة صُوريّة شكّكت مُختلف الدُول الغربيّة بمصداقيّتها، بينما دعمتها روسيا وإيران وبعض الدُول الأخرى المُناهضة للولايات المُتحدة الأميركيّة، بشكل فرض أمرًا واقعًا يستوجب التعامل معه لسنوات طويلة. والإنتخابات الإيرانيّة باتت بدورها على الأبواب، حيث سيتمّ تنظيمها في 18 حزيران، من دون توقّع الكثير منها أيضًا في ما خصّ لبنان. فهذه الإنتخابات لا تختلف كثيرًا عن تلك التي جرت في سوريا، حيث إستبعد مجلس الشُورى الإيراني ثلاثة مُرشّحين إصلاحيّين بارزين(1)، وأبقى على سبعة مُرشّحين فقط من أصل 592 شخصًا تقدّموا بترشيحاتهم، علمًا أنّ كل التحليلات تتوقّع فوز رئيس المحكمة العليا الإيرانيّة إبراهيم رئيسي بمنصب الرئاسة، بحسب رغبة المُحافظين الذين يُسيطرون على كل مفاصل الجُمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، ويفرضون سياساتهم في ما خصّ الملفّات الإقليميّة والدَوليّة.
ومن بين المحطّات المُنتظرة قريبًا أيضًا، لقاء قمّة مرتقب في مدينة جنيف السويسريّة في 16 حزيران الحالي، بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، يُنتظر أن يتناول سُبل تحسين العلاقات الأميركيّة-الروسيّة، وملفّات على مُستوى دَولي، بالإضافة إلى قضايا إقليميّة، منها الملف النووي الإيراني والأوضاع في الشرق الأوسط. ولن يكون للملفّ اللبناني أيّ حصّة تُذكر في هذا اللقاء، بحسب كل التقارير الصحافيّة والمقالات التحليليّة. إلى ذلك، وفي ما خصّ الملف النووي الإيراني الذي حقّق في جولته الخامسة في العاصمة النمساويّة فيينّا تقدّمًا ملموسًا، فإنّ أكثر من جهة غربيّة بدأت تتحدّث عن إتفاق وشيك بين إيران والمُجتمع الدَولي(2)، لكن كلّ المَعلومات المُتوفّرة تؤكّد أنّ الملفّ اللبناني غير مطروح على طاولة المُفاوضات، إن بشكل مُباشر أو غير مُباشر، بل من زاوية أمن الشرق الأوسط وإستقراره العام، فقط لا غير.
لكن لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ مفاوضات من نوع آخر تجري في المنطقة حاليًا، وهي لها إرتدادات حتميّة على الملفّ اللبناني، لكن ليس إلى درجة تشكيل الحُكومة من عدمه. وهذه المفاوضات تتمّ بين مُمثّلين سُعوديّين من جهة وآخرين سُوريّين، وهي مُرتبطة بملفّات خاصة بالبلدين وبالعلاقات العربيّة-العربيّة. كما تُوجد إتصالات سُعودية إيرانيّة بوساطات مُختلفة، منها عراقي، تتناول ملفّات اليمن والعراق، والعلاقات بين طهران والرياض، إلخ. وإن كان من بحث في الملف اللبناني، فهو يتمّ من مُنطلقات تتجاوز مسألة تفاصيل التعقيدات الحُكوميّة، وتشمل التوازنات الإقليميّة العامة.
وبالتالي، على المسؤولين في لبنان التوقّف عن رمي الملفّ اللبناني في حضن الملفّات الإقليميّة والدَوليّة الحامية، خاصة وأنّ الإتجاه حاليًا هو لإيجاد حُلول للمشاكل العالقة في الشرق الأوسط، وبين كلّ من إيران والسُعوديّة، وُصولاً إلى ما هو أعمق ويتناول المشاكل العالقة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركيّة على المُستوى الدَولي. ومن الضروري فصل الملفّ اللبناني عن كل هذه التعقيدات الإقليميّة والدَوليّة، وتحصين الساحة الداخليّة وإعادة الإستقرار السياسي، حتى لا يذهب لبنان "فرق عُملة"-كما يقال، في حال الذهاب إلى تسويات كبرى في المُستقبل، وحتى لا تأتي الحُلول على حساب مصالح لبنان.
في الختام، لا شكّ أنّ التسويات في المنطقة ككلّ باتت حامية جدًا، حيث حان وقت قطاف بعضها، بينما لا يزال لبنان يعيش في حال من التخبّط الخطير. لكنّ الأمل قائم بأن يحمل الأسبوع الطالع سلسلة من الإتصالات الداخليّة التي ترمي إلى إيجاد الحُلول المَطلوبة للأزمة الحُكوميّة التي طال أمدها كثيرًا، علمًا أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي دخل بشكل علني على خطّ الوساطات، بينما يعمل "حزب الله" خلف الكواليس لمؤازرته، في مُحاولة جديدة لتقريب وجهات النظر بين تيّاري "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ". ويُحكى عن لوائح إسميّة سيتمّ تسويقها في دوائر القصر الجُمهوري وفي "بيت الوسط"، ليختار كلّ من رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس الحُكومة المُكلّف سعد الحريري، الأنسب منها، بشكل قد يحلّ مسألة تسمية الوزراء المسيحيّين، ومسألة وزارتي الداخليّة والعدل، على أن تُولد الحُكومة بعد ذلك وفق تشكيلة من 24 وزيرًا، لا ثلث مُعطّل فيها لأي جهة سياسيّة واحدة. فهل ستشهد الأيّام المُقبلة وضع الملفّ الحُكومي على سكّة الحلّ، أم سنشهد مزيدًا من الإنهيار وتضييع الوقت، في إنتظار وَهِم الحُلول الخارجيّة التي لن يكون لبنان جزءًا منها، والتي ربما ستأتي على حسابه وعلى حساب مصالحه؟!.
(1) هم: الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجّاد، ورئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني، والنائب الحالي لرئيس الجُمهوريّة الإصلاحي إسحاق جهانغيري.
(2) وذلك غداة توصّل طهران والوكالة الدَوليّة للطاقة الذريّة إلى إتفاق لتمديد تفاهمهما السابق لمُراقبة الأنشطة النوويّة.