لم تُظهر دول الإقليم أن لبنان أولوية في جدول أعمالها، ولم تضع عواصم العالم بيروت على أجندتها. هناك من يرى أن القمة الرئاسية الأميركية-الروسية المرتقبة في ١٦ الشهر الجاري ستتناول حُكماً الملف اللبناني، بإعتبار أن موسكو أظهرت اهتماماً بهذا البلد نتيجة مصالحها بسوريا، خصوصاً أن الروس تمنوا على رئيس الحكومة المكلّف في لبنان سعد الحريري اثناء زيارته لموسكو عدم الإعتذار عن عملية تأليف الحكومة، وهم حاولوا فعلاً فكفكة العقد المتراكمة أمام الولادة، لكن محاولتهم لم تنجح. فمن يضمن تجاوب الأميركيين مع المحاولة الروسية لمؤازرة لبنان؟ علماً أن هناك ملفات دولية دسمة ستهتم بها قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن، ليُصبح لبنان مجرد تفصيل أمام حجم تلك الملفات التي تمتد من أوكرانيا الى الصين.
ولنفترض أن لبنان حلّ ضيفاً اساسياً في تلك القمة المرتقبة بعد أسبوعين، فماذا ستكون النتيجة؟ سيكون القرار هو امّا دعم المبادرة الفرنسيّة الضائعة، أو ممارسة التمنّيات أو الضغوط على القوى الإقليمية للتدخل وتسهيل توافق اللبنانيين كما جرت العادة، في ظلّ عدم تدخل العواصم الإقليميّة حالياً بما يجري في الجمهورية اللبنانية. ومن هنا يُرصد تحديداً تصرف المملكة العربية السعودية إزاء لبنان، بعد تجميد الرياض كل خطواتها تجاه اللبنانيين: تتفرج المملكة من دون لعب أيّ دور لا سلبي ولا إيجابي، وهي بذلك تمارس حياديّة رمادية لم يعتد عليها اللبنانيون منذ رعايتها إتفاق الطائف. فهل تبدّل المملكة سلوكها الحيادي الحالي؟.
يبدو أن الرياض تتعمّد ممارسة التفرّج، وتترقب مسارات الإقليم حيث مساحات الإشتباك مع الإيرانيين، كحال اليمن. لم تفصل السعودية هذه المرة تلك الملفات عن بعضها البعض. مما يؤكد أن مقاربة الرياض للملف اللبناني ستتأثر بما يستجد في الإقليم. لذا، فإن أي تخفيض للتوترات سيفيد لبنان بعد حين، في ظل اعتقاد سائد اقليمياً بأن إيران تلعب دوراً رئيسياً في المساحة اللبنانية.
بالإنتظار، هل يعني أن السعودية لن تتدخل الآن؟ لا تُظهر المملكة حتى الساعة أي إهتمام بالملف اللبناني. فماذا عن العواصم الإقليمية الأخرى؟.
تؤكد طهران أنها تترك القرار لحلفائها في لبنان، وهي مشغولة اساساً بملف الإنتخابات الرئاسية لديها وبمشروع التسوية بين واشنطن وطهران. بينما تحاول مصر لعب دور إيجابي في بيروت عبر دعمها مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري. تُظهر القاهرة نوايا طيبة بإتجاه اللبنانيين لحلّ أزمتهم الحكومية، لكنها لا تقدر على تسويق أو فرض تسوية او معادلة للحل، كما تُظهر الوقائع.
كل ذلك يُشير إلى إمكانية أن سوريا الخارجة تدريجياً من دائرة أزمتها الداخلية إلى مساحة المعادلة الإقليمية الفاعلة، ستلعب لاحقاً دوراً إعتادت عليه في لبنان. بينما تحتاج بيروت إلى تدخلات عاجلة لدفع اللبنانيين، كما جرت العادة، نحو التوافق السياسي المطلوب. الواضح ألاّ وجود لأي تدخل من هذا النوع في الآونة القريبة.
ومن هنا، لا يبقى أمام اللبنانيين الا التوافق الوطني، وفق مبادرة حيّة وحيدة قدّمها رئيس مجلس النواب نبيه بري في مسعاه الإنقاذي. فإذا تعامل فريقا رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بإيجابية مع روحية المبادرة، سيحصل توافق الضرورة الوطنية، وفي حال بقيت الشروط المتبادلة تعطّل المبادرة، فإن لبنان سيشهد مزيدا من الإنهيار المجتمعي بإنتظار القرار الإقليمي بالتدخل. لا نعلم زمن ولا اسلوب ولا طبيعة ولا نتيجة ذاك التدخل. المعلوم فقط أن الخسائر ستكون حينها باهظة في كل إتجاه اقتصادي معيشي ومالي وسياسي وامني.