يُحكى حاليًا عن أيّام مفصليّة -وربما عن ساعات فقط، أمام لبنان! فإمّا تبدأ الأزمة السياسيّة بالإنفراج وإمّا تتجّه الأمور إلى مزيد من التصعيد، وتاليًا إلى مزيد من التدهور نحو الإنهيار الشامل. فما هي الخيارات المَطروحة حاليًا، وما هي "السيناريوهات" التي ستنجم منها؟.
أوّلاً: نجاح جُهود تشكيل الحُكومة، والتي يلعب الدور الرئيس فيها حاليًا رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي و"حزب الله" من خلف الكواليس. وعندها ستتجّه العلاقة بين كلّ من تيّاريّ "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" نحو نوع من المُساكنة السياسيّة الإلزاميّة-إذا جاز التعبير. وبذلك، سيكسب لبنان بضعة أشهر من شبه الإستقرار، على أمل التمكّن من تأمين بعض المُساعدات والقروض الخارجيّة، ما سيسمح حُكمًا بتأجيل الإنهيار الشامل لبعض الوقت. ومع الإقتراب من مواعيد الإستحقاقات الإنتخابيّة المُتعدّدة، إمّا يتمّ التفاهم على تنظيمها بشكل ديمقراطي وهادئ، وربّما يحصل تفاهم على هويّة رئيس الجُمهوريّة المُقبل، وإمّا سيرتفع منسوب التوتّر من جديد، وستتفجّر الخلافات مرّة أخرى، وهذه المرّة بفعل التنافس الإنتخابيّ الحتمي المُقبل، علمًا أنّ هذا "السيناريو" الأخير هو الأكثر ترجيحًا.
ثانيًا: فشل جُهود التشكيل، وإضطرار رئيس الحُكومة المُكلّف سعد الحريري إلى التنحّي جانبًا، تحت وطأة الضُغوط. لكنّ هذا الخيار الذي تتمنّى بعض الجهات السياسيّة ضُمنيًا حُصوله، على أمل إعادة إمساك السُلطة التنفيذيّة بشكل واسع، كما كان حاصلاً مع حُكومة تصريف الأعمال الحاليّة قبل إستقالتها، غير مَضمون النتائج على الإطلاق. والسبب أنّ "تيّار المُستقبل" لن يُغطّي أيّ شخصيّة سُنيّة تُفرض عليه، ولن يُسمّي أو يُزكّي أحدًا، بل سيذهب إلى التصعيد. وحتى في حال نجاح خُصوم "المُستقبل" في تأمين شخصيّة وازنة نوعًا ما لرئاسة الحُكومة، فإنّ هذه الأخيرة ستُواجه بمُعارضة شرسة قد تفوق تلك التي لقيها الدُكتور حسّان دياب وحكومته، علمًا أنّ خيارات تيّار "المُستقبل" تشمل أيضًا الإستقالة من مجلس النوّاب، لمُحاولة قلب الطاولة على الجميع.
ثالثًا: فشل جهود التشكيل لكن مع إستمرار رفض رئيس الحكومة المُكلّف التنحّي، وهو خيار يُصرّ عليه لقاء "رؤساء الحكومة السابقين"، إنطلاقًا من رفض إضعاف الموقع السُنّي الأوّل، علمًا أنّ هؤلاء يُشجّعون الحريري على التمسّك بتكليفه وبشروطه، وأحدثها إشتراط الحُصول على تأييد نوّاب "التيّار الوطني الحُرّ" وإلا لن يتم منح أيّ وزراء للتيّار في الحُكومة المُقبلة، بل ثلاثة وزراء فقط لرئيس الجُمهوريّة. وفي حال حُصول هذا الأمر، فإنّ نسبة التوتّر السياسي على الساحة الداخليّة ستبلغ ذروتها، وقد نشهد مُحاولة إضافية للتشكيل، تحت وطأة بدء حُصول الإنهيار الشامل على مُختلف الصُعد، وُصولاً إلى إحتمال حُصول تطوّرات داخلية كُبرى قد تُعيد خلط الأوراق، من بينها مثلاً إستقالة نواب "التيار الوطني الحُرّ"، مع ما ستستجلبه هذه الخُطوة من خُطوات لاحقة، منها مثلاً إستقالة كتلة حزب "القوات اللبنانيّة"، في مُحَاولة لسحب الميثاقيّة من المجلس الحالي الذي سبق أنّ إستقال منه نوّاب حزب "الكتائب اللبنانيّة" وعدد من النوّاب المُستقلّين وأغلبيّتهم من المسيحيّين. وعندها من الصعب إجراء إنتخابات فرعيّة لتعبئة الفراغ الذي سيحصل، في ظلّ قرار "مسيحي"-إذا جاز التعبير، بالتصدّي لهذا الخيار، والضغط نحو إجراء إنتخابات نيابيّة شاملة مُبكرة لإعادة إنتاج السُلطة السياسيّة.
رابعًا: فشل جُهود تشكيل الحُكومة، وتنحّي رئيس الحُكومة المُكلّف، لكن ليس تحت الضغط بل وفق تفاهم بين مُختلف القوى المَعنيّة، على تشكيل حُكومة إنتقاليّة تُشرف على تنظيم إنتخابات نيابيّة عامة، مَنعًا للسُقوط بالفراغ الشامل. وتُدير هذه الحُكومة "المُحايدة" المُفترضة، السُلطة التنفيذيّة بالحدّ الأدنى المَطلوب لمنع سُقوط الهيكل على رؤوس الجميع. لكنّ التوافق على هكذا حُكومة ليس سهلاً على الإطلاق، ولوّ كانت النيّات صافية أساسًا لجرى التوافق على حُكومة إنقاذ من اليوم، على أن تُحضّر أجواء الإستقرار المَطلوبة لتنظيم الإنتخابات المُقبلة.
في الختام، يمرّ لبنان بواحدة من أصعب الحقبات في تاريخه، بسبب تزامن الأزمة السياسيّة الحادة الحاليّة مع أزمة إقتصاديّة-ماليّة غير مَسبوقة، وسط منطقة تعيش مرحلة التسويات الكُبرى، وأقلّ الواجب أن تكون الساحة الداخليّة اللبنانيّة مُستقرّة لمُواكبة التغيير على مُستوى الشرق الأوسط ككلّ. فهل ستحمل الأيّام والساعات المُقبلة أخبارًا سعيدة، أم أنّ "سيناريوهات" التشاؤم هي التي ستطغى؟!.