ثمة من يرى من المتابعين لمسار تأليف الحكومة أن هذا الملف دخل منطقة الحسم، وأن ما تبقى من أيام هذا الأسبوع سيكون فاصلاً حيث يتبين فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وهم يعتبرون أن مجرّد عودة فتح قنوات التواصل بين المسؤولين يُشكّل نقطة إيجابية على طريق معالجة هذه الأزمة التي بدأت تضغط على الجميع، وفي مقابل ذلك فإن ثمة من يدعو الى عدم الافراط في التفاؤل ووجوب البقاء في منطقة الحذر الشديد بانتظار بلورة نتائج المساعي التي انطلق بها مجدداً رئيس مجلس النواب نبيه برّي والتي بدأها بلقاء الرئيس المكلف سعد الحريري في محاولة لوضع الأطر المناسبة لكسر حلقات القطيعة الموجودة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حيث ترجح المعلومات المتداولة في أكثر من موقع ومن أكثر من جهة أن تكون الخطوة الثانية لرئيس المجلس الصعود إلى قصر بعبدا ولقاء الرئيس عون لاستكمال البحث الذي بدأه مع الرئيس الحريري بغية بلورة صورة واضحة عن المشهد الحكومي والعمل من خلاله علىابتداع صيغة لتوليفة حكومية تحظى برضى الجميع وتنهي الأزمة السياسية التي بدأ الشعب اللبناني يحصد مفاعيلها من خلال انفلات سعر صرف الدولار والارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية وغيرها من متطلبات الحياة.
وإذا كان من المبكر الحكم على مصير مسعى رئيس المجلس المحاط بالتكتم الشديد من منطلق القول المأثور الذي يعمل به الرئيس بري «واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، فاللقاء الذي انعقد في عين التينة رمى حجراً كبيراً في المياه السياسية الراكدة، وضخ موجة من التفاؤل في إمكانية الخروج من النفق الحكومي الذي أدخل لبنان في ظلمة دامسة على كل المستويات.
وفي المعلومات أن رئيس المجلس استمع خلال مأدبة الغداء أمس الأوّل بشكل مسهب الى مواقف الرئيس المكلف الذي لم يترك شاردة أو واردة تتعلق بالتعثر الحاصل في تشكيل الحكومة الا وأتى على ذكرها، وفي المقابل ترك لدى رئيس المجلس ما يعتبره مسلمات لا عودة عنها لانضاج الحل الحكومي والخلاص من هذه المشكلة التي طال أمدها، وفي مقابل ذلك، فإن الرئيس برّي كان حريصاً على طرح كل ما يراه مناسباً من أفكار وحلول تؤدي أولاً إلى رأب الصدع بين قصر بعبدا وعين التينة وبالتالي تأمين المناخات الملائمة لجلوس الرئيسين وجهاً لوجه لبحث أصول المشكلة بعيداً عن أي تشنج أو استفزاز، وفي حال حصل هذا الأمر، ينطلق الىالمربع الثاني وربما الأخير المؤدي الى فتح الطريق أمام التأليف على قاعدة حكومة 24 وزيراً تكون قادرة على الولوج في عملية إصلاحية تؤدي بدورها إلى استعادة ثقة المجتمع الدولي والتي تعتبر مفتاح الخزانة لمساعدة لبنان علی الخروج من أزماته المالية والاقتصادية والمعيشية.
وتقول مصادر سياسية على دراية واسعة بوجهة نظر الرئيس برّي حيال الوضع الراهن، أن الرئيس برّي لن يكل ولن يمل هذه المرة حتی الوصول إلى نقطة تقترب فيها المسافات بين الرئيسين عون والحريري، لأنه يعي تماماً أن بقاء الوضع على ما هو عليه، يعني أن البلاد والعباد سيواجهان عواقب وخيمة على أكثر من صعيد ويأتي في مقدمها الفوضى القاتلة.
وتؤكد هذه المصادر أن رئيس المجلس ينطلق في مسعاه من رؤية حكومية تقوم على 24 وزيراً، وهذه الرؤية تطلب تبادل التنازلات بين الأفرقاء المعنيين، فإذا تحقق ذلك نكون وضعنا القطار الحكومي على السكة الصحيحة، وفي حال بقيت المواقف على حالها، فإن ذلك يعني الدخول في نفق مظلم لا يعلم نهايته غير الله.
وتعتبر هذه المصادر أن كل المسؤولين بمختلف مستوياتهم وانتماءاتهم محشورين أمام ما وصل إليه الوضع في لبنان، حيث أن العامل الاجتماعي بدأ يضغط بقوة على هؤلاء الذين لا يجدون ما يقولونه للناس التي بدأت تأن وتعاني من الأزمة التي ان هي استمرت ستأخذ منهم شعبيتهم وتجعل مواقعهم السياسية من دون تحصين، هذا إلى جانب التطورات في المنطقة التي تقف علىعتبة ولادة خارطة جديدة ستحاك معالمها في اللقاء الذي سيجمع الرئيسين الاميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين منتصف هذا الشهر، لأنه في حال بقي الوضع اللبناني على هشاشته وتبعثره الداخلي ستطيح برأسه أي تطورات مقبلة، لأنه في معادلة مصالح الدول الكبرى دائماً من يدفع ثمن أي تسوية هي الدول الفقيرة أو الضعيفة.
وفي تقدير المصادر أن بلوغ الوضع الاجتماعي الخط الأحمر بالانحدار، بات يتطلب ضوءاً دولياً أخضر للانطلاق في حل أزماته التي تبدأ بتأليف حكومة.
وتخلص المصادر الی القول لماذا لا يفعلون ما كان يفعله الرئيس فؤاد شهاب الذي كان دائما عندما تبرز أي أزمة سياسية على طاولة مجلس الوزراء يدعو الجميع للعودة إلى الكتاب، الذي هو الدستور الذي يحكم العلاقة بين الجميع، وان الالتزام بمضمون نصوصه يُبعد شبح التخاصم السياسي ويعطي كل ذي حق حقه، مشددة على أن هذه القاعدة وحدها تنهي الخلاف الحاصل والمعيق لتأليف الحكومة والمتعلق بتسمية الوزيرين المسيحيين.